بيانهما الأدبى، كما أنهم حين قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا لم يكونوا صادقين إذ لو استطاعوا القول المماثل لقالوه، وقد جاء الباقلانى فى ذلك بما يصلح أن يكون توجيها سديدا لتأليف كتاب يبين خصائص الإعجاز القرآنى والإبداع المحمدى.
وقد تحدث بعض الدارسين عن موقف الباقلانى من السجع القرآنى، إذ نفاه نفيا تاما لأنه فى رأيه قد يكون زيادة اللفظ دون حاجة إليه، وهذا ما يتنزه عنه القرآن، مع أن القائلين بالسجع فى القرآن، يذهبون إلى أنه السجع المحكم الذى لا يكون به زيادة ما، فالجهة منفكة كما يقول المناطقة.
الشريفان: وأقصد بهما الشريفين الرضى والمرتضى، وهما أخوان بارعان تحدثا عن الإعجاز القرآنى كثيرا، فأفاضا فى ذكر أسبابه، وتعدد فنونه، ولكنهما يختلفان منهجا، فالرضى شاعر أديب يعتمد على الذوق الحساس، والبيان الطلق، والمرتضى يشاركه الشعر والأدب، ولكنه نظار متكلم يعتمد على دفع الحجة، ومعارضة الخصم، وترتيب الأدلة، فهما يمثلان فى تفسير الإعجاز مذهبين مختلفين، ويتركان للدارس مجالا فسيحا للموازنة والتحليل، ولا أدرى كيف سكت كثير من الدارسين عن إيضاح مقامهما فى دنيا الإعجاز البيانى، وكتبهما ذائعة مشتهرة، ولعلى بذلك أدعو إلى دراستهما من يريد أن يضيف الجديد.
وفى مجال التمثيل لوجهة الشريف المرتضى فى التفسير العلمى لبعض الآيات الكريمة، أنقل عن (أماليه) ما ذكره فى تأويل قوله تعالى فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (?) مقابلا ذلك بقول الله عز وجل فى موضع آخر وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ (?) مشيرا إلى أن الثعبان فى الآية الأولى هو الحية العظيمة الخلقة، والجان فى الآية الثانية هو الصغير من الحيات، فكيف يجتمع الصغر والكبر فى شىء واحد؟ وللإجابة عن ذلك قال المرتضى (?) عدة ردود نذكر منها: أن الآيتين ليستا حديثا عن قصة واحدة بل هناك حالتان مختلفتان، إذ أن الحال التى جعلت العصا فيها بصفة الجان، كانت فى ابتداء النبوة قبل أن يذهب موسى إلى فرعون، والحالة الثانية التى صارت فيها العصا ثعبانا كانت عند لقائه فرعون وإبلاغه الرسالة، فلا اعتراض. ثم يرى المرتضى أن الظن يذهب إلى أن الموقف واحد، وليس بموقفين، مع أن الله قد حسم الأمر حين قال: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ (?) فدلّ على