قصيرة، على نظم القرآن وطبعه، وتأليفه ومخرجه لما قدر عليه ولو استعان بجميع قحطان معد بن عدنان» (?).
وهذا الكلام أصل لقضية النظم، وكل ما انتمى إليها ينتهى إلى هذا الأصل، ثم يقول الجاحظ: (?)
«ولا يجوز أن يكون مثل العرب فى كثرة عددهم، واختلاف عللهم، والكلام كلامهم وهو سيد عملهم فقد فاض بيانهم، وجاشت به صدورهم، وغلبتهم قوتهم عليه عند أنفسهم .. وقد هجوه من كل جانب، وهاجى أصحابه شعراءهم، ونازعوا خطباءهم، وحاجوه فى المواقف، وخاصموه فى المواسم، وبادءوه العداوة، وناصبوه الحرب، فقتل منهم وقتلوا منه، وهم أثبت الناس حقدا، وأبعدهم مطلبا، وأذكرهم لخير ولشر وأنفاهم له، وأهجاهم بالعجز وأمدحهم بالقوة، ثم لا يعارض معارض، ولم يتكلف ذلك خطيب ولا شاعر، (6) إلى أن يقول:
«فإما أن يكونوا عرفوا عجزهم، وأن مثل ذلك لا يتهيأ لهم، فرأوا أن الإضراب عن ذكره، والتغافل عنه فى هذا الباب، وإن قرعهم به، أمثل فى التدبير، وأجدر ألا ينكشف أمرهم للجاهل والضعيف، وأجدر أن يجدوا للدعوة سبيلا، فقد ادعوا القدرة بعد المعرفة بعجزهم عنه، وهو قوله عز ذكره وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا (?) وهل يذعن الأعراب وأصحاب الجاهلية للتقريع بالعجز، والتوقيف على النقص، ثم لا يبذلون مجهودهم، ولا يخرجون مكنونهم، وهم أشد خلق الله أنفة، وأفرطهم حمية، وأطلبهم بطائلة، وقد سمعوه فى كل منهل وموقف، والناس موكلون بالخطابات، مولعون بالبلاغات، فمن كان شاهدا فقد سمعه، ومن كان غائبا فقد أتاه به من لم يزوّده، وإما أن يكونوا غير ذلك، ولا يجوز أن يطبقوا على ترك المعارضة، وهم قادرون عليها، لأنه لا يجوز على العدد الكثير من العقلاء والدهاة، والحلماء مع اختلاف عللهم، وبعد همهم، وشدة عداواتهم الإطباق على بذل الكثير، وصون اليسير». (?)
على أن الجاحظ هو الذى فتق أكمام الحديث عن الأسلوب القرآنى، وبيّن من سماته ما جعله الكثيرون مصدرا أولا للإعجاز القرآنى، فقد نظر الرجل إلى ألفاظ القرآن ومعانيه ليهتدى إلى فطن بارعة فى التحليل والاستنتاج كانت عون البلاغيين فى كثير مما كتبوه عن اللفظ والجملة والصورة، فما تحدث البلغاء عن فصاحة الكلمة وفصاحة الكلام، وأسرار الحذف والذكر، ومواضع الإيجاز والإطناب، وجمال التشبيه