والروايات التى تزعم أن بعض البشر حاول معارضة القرآن، تدل إن صدقت- على هذا الإعجاز؛ وإن كنت أرى أن البليغ الممتاز ممن عزيت إليه هذه المعارضة أعقل
وأحصف من أن يتورط فى شىء لا يقوم له، فما قيل فى هذا المجال موضع توهين.
لا يعرف على وجه التحديد أوّل من ذهب إلى أن القرآن الكريم غير معجز، وقد قال الأستاذ مصطفى صادق الرافعى فى كتابه إعجاز القرآن (?) إنّ أول من ذهب إلى ذلك هو الجعد بن درهم، يقول الرافعى:
«هو مؤدب مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية، وكان زنديقا فاحش الرأى واللسان، وهو أول من صرح بالإنكار على القرآن والرد عليه، وجحد أشياء مما فيه، وأضاف إلى القول بخلقه أن فصاحته غير معجزة وأن الناس يقدرون على مثلها، وعلى أحسن منها، ولم يقل بذلك أحد قبله، ولا فشت المقالة بخلق القرآن إلّا من بعده».
وكتب الكلام التى دوّنت آراء الجعد، تحدثت عن قوله بخلق القرآن، وعن قوله بالتعطيل، وقوله بالقدر، ولكنها لم تتحدث عن إنكاره للإعجاز، فإذا كان الرافعى قد قرأ عن جعد ما لم نقرأه، فكان عليه أن يذكر مصدره، ومهما يكن من شىء فإن القول بخلق القرآن فى هذا الزمن المتقدم- فى العصر الأموى- جرّأ الملاحدة والزنادقة ممن دخلوا فى الإسلام ظاهريّا دون أن تطمئن قلوبهم إلى نوره؛ جرّأهم على الحديث المتسرّع عن كتاب الله؛ ومنه ما قالوه عن عدم الإعجاز، وقد دعت حرية الجدل فى مطلع العهد العباسى هذا النفر إلى الافتراء بغير العلم، فراج حديثهم عن عدم الإعجاز، واضطر المدافعون عن دين الله أن يواجهوا الباطل بما يدحضه، فبدأ الحديث عن الإعجاز، وتنوّع القول فى بيان خصائصه. وفى هؤلاء المدافعين من تورط فى حديث فهم على غير وجهه، وأعنى به حديث الإعجاز بالصرفة، وهو مما يحسن أن نقف لديه.
ينسب القول بالصرفة فى تفسير الإعجاز القرآنى لأبى إسحاق النظام، وهو قول لم يدونه النظام فى كتاب، ولولا أن الجاحظ رواه عنه ما اشتهر وما ذاع، وفحواه أن العرب قد انصرفوا عن معارضة القرآن، وهذا الانصراف دليل الإعجاز، ويوحى هذا القول بأنهم لو اتجهوا إلى معارضته لجاءوا بمثله؛ كما أن تمام الرأى عند النظام أنه قال إن الإعجاز إنما جاء من الإخبار عن الأمور