وتوفيقه أن يدفع عن القرآن شبهات أوردها على ألفاظه أو على معانيه قوم خيّم عليهم الجهل، وضرب على آذانهم فلم يعقلوا منه شيئا يذكر لهم.
واستطاع أيضا بقوة حجته أن يعمق الإيمان فى قلوب زاغت عن الحق بسبب من الأسباب التى سنذكرها.
وكلما ازداد المفسر لكتاب الله- تعالى- علما فى الوجوه والنظائر- نبغ فى تأصيل الأصول، ورد الفروع إليها، ومحاكمة المخالفين فيها إلى الحق المجرد عن الهوى.
(ولا يكون الرجل فقيها كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة، بأن يرى اللفظ الواحد يحتمل معانى متعددة؛ فيحمله عليها إذا كانت غير متضادة، ولا يقتصر به على معنى واحد) (?).
ومن المعلوم لدينا أن الألفاظ المشتركة ذات المعانى المتعددة قد انتشرت فى لغة العرب انتشارا واسعا لأسباب كثيرة، منها:
(أ) اختلاف القبائل العربية فى وضع الألفاظ لمعانيها؛ فقد تضع قبيلة اللفظ لمعنى، وأخرى تضعه لمعنى آخر، وثالثة تضعه لمعنى ثالث؛ فيتعدد الوضع وينقل إلينا اللفظ مستعملا فى هذه المعانى دون أن ينص علماء اللغة على تعدد الوضع أو الواضع.
(ب) قد يوضع اللفظ لمعنى، ثم يستعمل فى غيره مجازا، ثم يشتهر استعمال المجازى، حتى ينسى أنه مجازى، فينقل إلينا على أنه موضوع للمعنيين: الحقيقى، والمجازى.
(ج) أن يكون اللفظ موضوعا لمعنى مشترك بين المعنيين؛ فيصح إطلاق اللفظ على كليهما، ثم يغفل الناس عن هذا المعنى المشترك الذى دعا إلى صحة إطلاق اللفظ على كلا المعنيين؛ فيظنون أن اللفظ من قبيل المشترك اللفظى، كلفظ القرء؛ فإنه فى اللغة يطلق على كل زمان اعتيد فيه أمر معين، فيقال للحمّى: قرء، أى زمان دورى معتاد تكون فيه. وللمرأة قرء، أى وقت دورى تحيض فيه، ووقت دورى آخر تطهر فيه.
وكالنكاح، لفظ وضع لمعنى الضم، فصحّ إطلاقه على العقد ذاته؛ لأن فيه ضم اللفظين: الإيجاب والقبول، وصح إطلاقه على الوطء أيضا.
ولكن اشتهر إطلاقه على العقد؛ فظن البعض أنه حقيقة فيه مجاز فى غيره، وظن البعض الآخر أنه فى الوطء حقيقة وفى العقد مجاز.
(د) أن يكون اللفظ موضوعا لمعنى فى اللغة، ثم يوضع فى الاصطلاح لمعنى آخر، كلفظ (الصلاة) وضع لغة للدعاء، ثم وضع فى اصطلاح الشرع للعبادة المعروفة (?) أه.