وإليك بعض هذه الضوابط بإيجاز:
(أ) كل سورة فيها لفظ «كلّا» فهى مكية باتفاق وقد تكرر هذا اللفظ ثلاثا وثلاثين مرة فى النصف الثانى من القرآن؛ ردعا وزجرا لأهل مكة، لأن أكثرهم كانوا طغاة جبارين.
(ب) كل سورة فى أولها حرف من حروف المعجم مثل: (المص- ق- ن) فهى مكية إلا البقرة وآل عمران، وفى الرعد خلاف، والأصح أنها مكية.
(ج) كل سورة فيها سجدة فهى مكية.
(د) كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الماضية فهى مكية سوى البقرة وآل عمران.
(هـ) كل سورة ذكر فيها الجهاد وما يتعلق به فهى مدنية.
(و) كل سورة فيها ذكر المنافقين فهى مدنية، ما عدا سورة العنكبوت.
والتحقيق أن سورة العنكبوت مكية ما عدا الآيات الأولى منها، وهى إحدى عشرة، فإنها مدنية، وهى التى ذكر فيها المنافقون.
(ز) كل سورة فيها ذكر الحدود والفرائض فإنها نزلت بالمدينة، والمراد بالفريضة هنا:
فريضة الميراث لا مطلق الفريضة، وإلا ففي المكى فرائض كثيرة كالصلاة والعدل، والتواصى بالحق، والتواصى بالصبر، والوفاء بالعهد وغيرها.
وقد اشتهرت أحكام الميراث باسم الفرائض، حتى قال صلّى الله عليه وسلم كما روى الإمام أحمد بإسناد صحيح: «أفرضكم زيد».
ويتميز المكى عن المدنى بخصائص غلبت عليه وشاعت فى طياته.
ويتميز المدنى عن المكى بخصائص يعرف بها- وتسمى هذه الخصائص بالضوابط المعنوية.
وإليك أولا خصائص المكى:
(أ) يتميز المكى بتأصيل العقيدة الصحيحة التى بعث بها جميع الرسل، ومحاربة العقائد الفاسدة التى توارثها أهل مكة ومن حولهم من القرى، كعبادة الأصنام والتقرب إليها بالقرابين، والتضرع إليها كلما اشتد بهم الكرب أو نزل بهم القحط.
(ب) وعنى القرآن المكى- أيضا- بالقضاء على ما كانوا عليه من أخلاق سيئة وعادات فاسدة، كسفك الدماء، ووأد البنات، وأكل مال اليتيم، والتطفيف فى الكيل والميزان، وغير ذلك من الرذائل.
ودعاهم إلى أصول التشريعات العامة، والآداب السامية، بوصفها برهانا عمليا على سلامة الفطرة وصحة الاعتقاد.