وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ نزلت بتبوك، كما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس.
وقوله جل شأنه فى السورة نفسها:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ آية: 65 - نزلت فى غزوة تبوك، كما أخرجه ابن أبى حاتم عن ابن عمر.
إلى غير ذلك من الآيات التى ذكر السيوطى فى «الإتقان» (?) أنها نزلت فى مواطن مختلفة غير مكة والمدينة وضواحيهما.
الثالث: أن المكى ما وقع خطابا لأهل مكة، والمدنى ما وقع خطابا لأهل المدينة.
وعليه يحمل قول من قال: إن ما صدر فى القرآن بلفظ يا أَيُّهَا النَّاسُ فهو مكى؛ وما صدّر فيه بلفظ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فهو مدنى؛ لأن الكفر كان غالبا على أهل مكة فخوطبوا بيا أيها الناس، وإن كان غيرهم داخلا فيهم. ولأن الإيمان كان غالبا على أهل المدينة، فخوطبوا بيا أيها الذين آمنوا، وإن كان غيرهم داخلا فيهم أيضا. وألحق بعضهم صيغة: يا بَنِي آدَمَ بصيغة: يا أَيُّهَا النَّاسُ.
أخرج أبو عبيد فى «فضل القرآن» عن ميمون بن مهران قال: ما كان فى القرآن يا أَيُّهَا النَّاسُ أو يا بَنِي آدَمَ فإنه مكى، وما كان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فإنه مدنى) أه (?).
وهذا التعريف غير ضابط؛ لأنه لوحظ فيه المخاطبون، فإن فى المكى ما صدر بيا أيها الذين آمنوا، وفى المدنى ما صدّر بيا أيها الناس، وفيهما ما لم يصدر بأحدهما.
سورة الحج- مثلا- مكية وفى آخرها:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ آية: 77.
وسورة النساء مدنية وأولها: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ. ومن ذلك فى المكى والمدنى كثير.
ويمكننا أن نقول: إن هذا التعريف يجرى مجرى الغالب، إلا أنه من شأن التعريف أن يكون جامعا مانعا، وجريانه مجرى الغالب لا يجعله كذلك؛ فالمراد لا يدفع الإيراد، كما يقولون) أه (?).
والمعول عليه فى معرفة المكى والمدنى النقل الصحيح عن الصحابة ثم عن التابعين ومن بعدهم.
ولكن هناك ضوابط كلية يعرف بها المكى والمدنى على الجملة، مبناها على الغالب والكثير يرجع إلى اللفظ وإلى المعنى.