والدليل على أنه متشابه كله قوله تعالى:

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (الزمر: 23).

والدليل على أن بعضه محكم وبعضه متشابه، قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (آل عمران: 7).

فلا تعارض- كما علمت- بين هذه الآيات؛ لأن كلا منها قد وصف فيها القرآن بالأوصاف التى تخصه على وجه من الوجوه اللغوية السابقة.

فالمحكم من الآيات- بهذا الاعتبار- يجب العمل به.

والمتشابه- بهذا الاعتبار- قد جاء للإيمان به والاجتهاد فى معرفة تأويله على النحو الذى يردّ فيه إلى المحكم.

فقوله تعالى- مثلا- يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ وقوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ (الأنعام: 103) لا يترتب عليه حكم شرعى يجب العمل به، بل هو من الأمور الاعتقادية التى يكفى الإيمان بها مع التوقف فى تأويلها أو تأويلها على المعنى الذى لا يتعارض مع قوله- جل وعلا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.

ودليل ذلك قوله تعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا.

والراسخون فى العلم هم المتثبّتون فى العلم، لا تزيغ قلوبهم عن الحق ولا تدفعهم أهواؤهم إلى التأويل البعيد، ولا يطلبون للمتشابه علة بل يؤمنون به؛ لأنه من عند الله وكفى.

أ. د/ محمد بكر إسماعيل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015