ينكر، أو بعيدا توقفنا عنه، وآمنا بمعناه على الوجه الذى أريد به مع التنزيه، وما كان معناه من هذه الألفاظ ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب- قلنا به من غير توقيف، كما فى قوله تعالى: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ- فنحمله على حق الله وما يجب له. أه.
وقد اتفق هؤلاء وأولئك على أمرين:
الأول: صرف هذه الآيات عن ظواهرها المستحيلة فى حق الله- تعالى- لكونه مغايرا لجميع الخلق، كما هو معلوم من قوله تعالى:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الشورى: 11).
وحملها على معان تليق بذاته- جل وعلا- وذلك برد المتشابهات إلى المحكمات، وهى التى لا تحتمل إلا وجها واحدا من التأويل، وهو الوجه الذى يريده الشارع الحكيم دون سواه.
الثانى: أن المتشابه إن كان له تأويل واحد يفهم منه فهما قريبا- وجب القول به إجماعا.
وذلك مثل قوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ.
فإن الكينونة بالذات مع الخلق مستحيلة قطعا، وليس لها بعد ذلك إلا تأويل واحد، وهو الكينونة معهم بالإحاطة علما وسمعا وبصرا وقدرة وإرادة.
وكقوله تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ (الزمر: 56).
فالمراد بجنب الله: حقه وما يجب له، كما تقتضيه لغة العرب، ليس له معنى يجب أن يحمل عليه غيره.
والقرآن الكريم كله محكم باعتبار أنه متقن فى نظمه وأسلوبه وأحكامه، مانع من دخول غيره فيه، ومن طروء الخلل فى ألفاظه والتناقض فى معانيه.
وكله متشابه باعتبار أنه متماثل فى فصاحته وبلاغته وحلاوته وطلاوته.
وبعضه محكم وبعضه متشابه باعتبار أن بعضه أحكام نصية، لا تحتمل إلا وجها واحدا، ولا يختلط الأمر فى فهمها من هذا الوجه على أحد، وبعضه أحكام تحتمل أكثر من وجه لحكمة سامية، ذكرناها من قبل، وهى التى يقع فيها الاشتباه ويتأتى فى فهمها الاختلاط والالتباس عند النظرة الأولى فى ألفاظه ومعانيه.
ويدل على أن القرآن محكم كله بهذا الاعتبار قوله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (هود: 1).