والمشتغلون بالعلوم الأخرى يستمدون فهم كتاب الله- تعالى- من أولئك المفسرين الذين نبغوا فى هذه العلوم اللغوية التى تعتمد بالدرجة الأولى على قواعد الإعراب.
لذا كانت دراسة علم النحو ضرورية لكل من يتصدى لتفسير كتاب الله- تعالى-، وبيان ما تضمنته الأحاديث النبوية أيضا؛ لأن السنة بيان للقرآن، يتوقف فهمه على فهمها بكل الوسائل المستعملة فى ذلك، وأولها معرفة وجوه الإعراب.
وقد شرط العلماء لمن يتصدى لعلم التفسير شروطا كثيرة، منها:
(أ) أن يقتصر منه على القدر الذى تدعو إليه الحاجة، ويترك ما زاد عليها للمتخصصين فى علم النحو؛ فإن القرآن من أوله إلى آخره كتاب هداية ومنهج حياة، فينبغى أن يكون مبلغ همّ المفسر لآياته بيان معانية ومراميه ومناحى إعجازه، وغير ذلك مما فيه حكم، وحكمة، وعظة، وعبرة.
(ب) أن يفهم أولا معنى ما يعربه مفردا كان أو مركبا؛ وذلك بالرجوع إلى كتب التفسير التى عنى أصحابها بالغوص فى المعانى إلى أعماقها واستخراج مكنوناتها ونفائسها، مستعينين فى ذلك بمتن اللغة وفقهها وصورها البيانية وإيحاءاتها فى دقة النظم وجمال التعبير وسلامة الأسلوب تماما من الخلل والزلل.
(ج) أن يراعى المعرب المعنى الصحيح الذى دل عليه لفظ الآية وسياقها وما إلى ذلك من أدلة التصحيح، ولو خالف بذلك الصناعة النحوية إذا كانت لا تعينه على المعنى الذى اتفق عليه أكثر المفسرين؛ فالقرآن قد نزل بلسان عربىّ مبين يحكم به ولا يحكم عليه؛ فالحجة فيه لأهل التفسير واضحة جليّة، لا يضرهم من خالفهم من النحويين ولا من غيرهم.
وهذا ميدان زلت فيه أقدام كثير من المتكلفين والمقلدين.
(د) أن يجتنب الوجوه الضعيفة فى الإعراب ويلزم نفسه بما صحّ منها، ولا سيما إذا كانت هذه الوجوه تخلّ بالمعنى أو توهن من شأنه فى العظة والاعتبار.
(هـ) أن يتتبع المعرب ما تحتمله الألفاظ من وجوه الإعراب؛ فيشير إليها، ويختار أحسنها مرجحا قوله بالدليل.
(و) أن يراعى الشروط المختلفة بحسب الأبواب؛ فإن العرب يشترطون فى باب شيئا ويشترطون فى آخر نقيض ذلك الشيء، على ما اقتضته حكمة لغتهم وصحيح أقيستهم؛ فإذا لم يتأمل المعرب ذلك اختلطت عليه الأبواب والشرائط.