الآية الأولى: تبين قسمى أثر البرق عند الناس.
والآية الثانية: تبين أقسام الناس يوم العرض، فهم ثلاثة لا رابع لهم. فهذه قسمة صحيحة.
وقد أخطأ بعض الشعراء عند ما تناولوا هذا الفن. مثل قول البحترى:
قف مشوقا أو مسعدا أو حزينا ... أو معينا أو عاذرا أو عذولا
(?) قال ابن الأثير: «فإن المشوق يكون حزينا والمسعد يكون معينا، وكذلك يكون عاذرا ..
وكثيرا ما يقع البحترى فى مثل ذلك».
وعابوا قول أبى الطيب:
فافخر فإن الناس فيك ثلاثة ... مستعظم أو حاسد أو جاهل
لأن المستعظم يكون حاسدا، والحاسد يكون مستعظما، ومن شرط التقسيم ألا تتداخل أقسامه بعضها فى بعض» (?).
«وأما صحة التقسيم .. فأن تكون الأقسام المذكورة لم يخل بشيء منها، ولا تكررت ولا دخل بعضها فى بعض».
ومثل للمعيب منه بقول جرير:
صارت حنيفة أثلاثا فثلثهم ... من العبيد وثلث من مواليها
ثم علق عليه قائلا: فهذه قسمة فاسدة من طريق الإخلال لأنه قد أخل بقسم من الثلاثة. وقيل: إن بعض بنى حنيفة سئل من أى الأثلاث هو؟ قال: من الثلث الملغى» (?).
وهذه لمحة نقد بالغة الدقة.
وجاء الإيجاز فى القرآن الكريم بقسميه:
إيجاز الحذف وإيجاز القصر، فلم يبهم معه معنى ولا اختفى معه مراد. كقوله تعالى:
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (?)، وقوله تعالى: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ (?)، وقوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (?)، وقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى (?)، وقوله تعالى: أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ (?)، وقوله تعالى: إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (?)، وقوله تعالى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ (?).
والقرآن ملىء بمثل هذه الدرر الغوالى مع قوة المعنى ووضوحه وشدة أسره للأفهام.
وقد تناوله قوم فأصابوا وأخطئوا، فأما ما جاء فى القرآن فهو أبلغ منه وأوجز، ولعل مضرب الأمثال فى ذلك قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (?).
فإذا قورن به قول العرب: «القتل أنفى للقتل». فإن عبارة القرآن قد فاقته من عدة