مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً فإن «يضل» و «يهدى» مجازيان- كما سبق- وهذا تكافؤ مدمج فى المقابلة.

وثانيهما: دمج التكافؤ فى المقابلة- كذلك- فى قوله تعالى: يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ على ما سبق بيانه.

(ق) التفصيل: وهو الواقع بعد «أما»، و «أما» فى قوله تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ولا يقف بنا الأمر عند هذا الحد، فإن لنا أن نصف النص بما يأتى:

(ر) ائتلاف اللفظ مع المعنى: لأن كل لفظ فيه قد ائتلف مع معناه. فهما مقدران بقدر، وموضوعان بحكمة، وهذا اللون- وإن مثلوا له ببعض آيات القرآن- فإنه وصف عام ليس فى موطن دون موطن بل القرآن كله موصوف بائتلاف ألفاظه مع معانيه.

(ش) حسن الجوار: وهذا مثل سابقه:

وصف عام للقرآن حيث لم تقع فيه لفظة واحدة متنافرة مع سابق عليها أو لاحق لها، وهو ينطبق على آيتينا باعتبارهما جزءا من التنزيل الحكيم.

فهذه أكثر من عشرين لونا بحثوها فى ألوان البديع، وقد جاءت فى القرآن على أحسن موقع وأجمل مطلع.

وهل ترى فى هذا النص- وقد علمنا ما فيه من ألوان البديع- قصورا فى معناه الذى سيق من أجله؟ أم اقتسارا للفظ على المعنى؟

ليس فى النص شىء من هذا. بل هو واف بالمراد فى وضوح وقوة، وهذا هو الفارق بين كلام معجز، وكلام هو عرضة للخطأ والمغالاة.

وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

(هود: 44)

هذه الآية الكريمة تصور لنا فى إيجاز نهاية قصة الطوفان فى عهد نوح عليه السّلام، وقد اشتملت على الألوان البديعية الآتية:

(أ) المناسبة اللفظية التامة، بين «أقلعى» و «ابلعى». فقد جمع بين اللفظين وهما هنا موزونان مقفيان بزنة وقافية واحدة وهذا هو معنى المناسبة التامة.

(ب) المطابقة: بين «السماء» و «الأرض» فى قوله تعالى: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وقد مر تعريف المطابقة فلا حاجة إلى ذكره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015