والكنايات التى تقدم الحديث عنها، كلها كنايات عما يقع فى دائرة الحلال بين الأزواج والزوجات، ومنها كنايات عن صفة، إلا الرفث فإنه كناية عن موصوف، هو الكلام الفاحش.
وأما ما يقع فى دائرة الحرام، فقد كنى عنه القرآن الكريم بالزنى، وإتيان الفاحشة، تنفيرا عنه، وتزهيدا فيه بعيدا عن الإسفاف والتبذل فى الألفاظ المكشوفة الفاضحة.
ومما يلفت النظر التعبير عن الزنى ب «السفاح» ومن شواهده قوله تعالى:
مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ (?)
وأصل السفح هو تدفق الدم المملوء بالسموم، الذى يندفع من الشاه بعد ذبحها.
وفى تكنية القرآن الكريم عن «الزنى» بالسفاح كناية لطيفة أخرى متولدة عن الكناية الأولى، شبه فيها ماء الرجل الذى يصب فى رحم الزانية بالدم المسفوح المملوء بالسموم القاتلة. لأن الدم المسفوح يضر بصحة البدن وحده، لذلك حرّمه الله على الآكلين. أما ماء الزناة فهو قاتل لشرف النسل وأخلاق الفضل والعفة والطهارة فتأمل هذه المعانى السامية، التى تشع من كنايات كتاب الله العزيز، لتدرك لماذا يعدل القرآن عن التصريح إلى الكناية التى هى الصفة الشائعة فى القرآن الكريم. ومنها فى غير العلاقات الزوجية، قوله تعالى فى الحديث عن عيسى عليه السلام وأمه رضى الله عنها:
كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ
إنها كناية مهذبة طاهرة، عدل القرآن الكريم إليها عن: كانا يتغوطان ويتبولان. حيث كنى بأكل الطعام، وهو طاهر نظيف طيب، عن التغوط والتبول، وهما يثيران التقزز والاشمئزاز فى النفوس، فضلا عن خبثهما ونجاستهما.
ولو جاء التعبير بالتغوط والتبول لكان فى ذلك إيحاء بكشف عوراتهما أمام عيون الخيال البشرى، والقرآن يستر العورات فى الواقع، وفى التعبير.
وقد يقول قائل: إن التعبير بالتغوط جاء صريحا فى القرآن فى مواضع أخرى، مثل:
أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ (?) فلماذا عدل الله عنه فى الحديث عن عيسى عليه السلام، وأمه رضى الله عنها؟ ونقول: ما ورد فى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ لا حرج فيه، لأنه لم يأت وصفا لإنسان معين، بل هو حديث عام يشمل جميع المكلفين.
أما فى الحديث عن عيسى وأمه، فهو حديث خاص عنهما فى المقام الأول. من أجل ذلك روعى معهما تحشمهما ووقارهما.