فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أن مروان ابن الحكم قال: «اذهب يا رافع- لبوّابه- إلى ابن عباس، فقل له: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتى- فى رواية مسلم: فرح بما أتى- وأحب أن يحمد بما لم يفعل لنعذبن أجمعون، قال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية، إنما أنزلت هذه فى أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ وتلا:
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا ثم قال ابن عباس: سألهم النبى صلّى الله عليه وسلم عن شىء فكتموه وأخبروه بغيره، فخرجوا وقد أروه أنهم أخبروه بما قد سألهم عنه فاستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه» (?).
4 - قول الله تبارك وتعالى: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ البقرة/ 189.
فإن هذه الآية يصعب التوصل إلى المقصود فيها من قول الله تعالى: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها إلا بمعرفة سبب نزولها، أو فى أى شىء نزلت.
وبالفعل فإنه قد ورد سبب يوضح المعنى المراد، أخرج البخارى (?) عن أبى إسحاق السبيعى قال: سمعت البراء رضي الله عنه يقول: نزلت هذه الآية فينا، كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لم يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم، ولكن من ظهورها (?) فجاء رجل من الأنصار، فدخل من قبل بابه، فكأنه عيّر بذلك فنزلت:
وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها.
خامسا: ومن الفوائد المترتبة على معرفة سبب النزول: ما ذكره الزركشى من دفع توهم الحصر المتبادر من بعض الآيات، وقد فصل ذلك بقوله: (قال الشافعى ما معناه فى معنى قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ- الآية 145 من سورة الأنعام: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة