ولم يخل موضع واحد من مواضع التكرار فى القرآن الكريم من فائدة عظيمة، وسر بلاغى من أجله كان التكرار، من ذلك:
* تأكيد الإنذار فى قوله تعالى:
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (?).
* تأكيد الإنكار، مثل قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
وقد تكررت هذه العبارة فى سورة الرَّحْمنُ واحدة وثلاثين مرة، بعد تعديد نعم الله على الثقلين الإنس والجن ومع كثرة تكرارها تجد لها حلاوة فى السمع، ووقعا فى النفس، وحياة فى القلب.
* تأكيد التعجيب من صنع الله عز وجل بالمكذبين الضالين فى قوله عز وجل:
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (?).
* تأكيد التنبيه وزيادته، كما فى قوله تعالى:
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ (?).
كرر يا قَوْمِ مؤكدا لهم هدايته إليهم سبيل الرشاد وقد تضمن هذا التكرار الإشارة إلى فناء الدنيا وفناء ما فيها من لذائذ ومشتهيات.
وقد يكرر اللفظ لطول الكلام مع زيادة التوكيد كما فى قوله تعالى:
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (?).
فقد تكرر فى هذه الآية العبارات الآتية:
إِنَّ رَبَّكَ وقد تقدمت فى صدر الآية.
بَعْدِها وقد تقدم عليها قوله مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وأفاد هذا التكرار فائدتين:
الأولى: تكرار التأكيد، ومن دواعى التأكيد مقامات الوعد والضمان.
الثانية: طول الفصل بين «إن» واسمها، وبين خبرها، وهو لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.
* وقد يأتى التكرار لتفظيع وتهويل ما اقترفه المتحدث عنهم، كما فى قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (?).
هذا التكرار المتواصل فى الآية، فيه تفظيع لما كان يقترفه المنافقون من التذبذب بين الإيمان والكفر، ثم إيثارهم الكفر على الإيمان فى عاقبة أمرهم فى الحياة الدنيا.