وهذا مثال توضيحى: قرئ لفظ لِجِبْرِيلَ (البقرة: 97) مثلا- بالهمز- والهمز ينسب إلى لغة تميم- وبدونه- وهذا فى لغة قريش، وفى المهموز قراءتان: (جبرئيل) بفتح كل من الجيم والراء، وبياء ممدودة بعد الهمزة، وبدون هذه الياء. فهذان وجهان وقراءتان فى لغة من الهمز. وفى غير المهموز قراءتان (جبريل) بكسر كل من الجيم والراء، وبياء ممدودة بعد الراء، وبفتح الجيم فهذان وجهان وقراءتان فى لغة من لا يهمزون. ولزيادة عدد القراءات عن عدد الأحرف سبب آخر، وهو تداخل الأحرف، إذ لم يرد منعه، ويظهر أن النبى صلّى الله عليه وسلم علّم من علّم بعض القرآن على حرف، وبقية القرآن على حرف آخر، فينتج من ذلك صورة ختمة مفترقة عن كل واحدة من السبع التى تكون كل واحدة منها على حرف واحد.
ولا تخفى الكثرة الكاثرة من القراءات التى تنشأ عن تغيير مواضع الانتقال فى الختمة من حرف أول إلى حرف ثان، ومن حرف أول إلى حرف ثالث، وهلم جرا. والحديث الصحيح لا يأبى هذا التداخل، إذ يقول:
( .... إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) (?) ولم يقل منها، فكان أوضح فى العموم، إذا المعنى: فاقرءوا ما تيسر من المنزل- وهو السبعة، أعم من
أن تكون مميزة واحدا واحدا أو متداخلة.
وهذا مثال توضيحى: (قرأ حفص: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها (هود: 41) بإمالة مَجْراها، وفتح مُرْساها، (?)، والإمالة لغة عامة أهل نجد، والفتح لغة أهل الحجاز) (?)، وهى قراءة- كغيرها من سائر قراءات العشرة من الروايات والطرق المعيّنة- مسندة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ومتواترة، فدل ذلك على أن القراءة الواحدة اشتملت فى بعض الجزئيات على حرف ولغة، وبعضها الآخر على حرف آخر ولغة أخرى وهذا هو التداخل، وبه زاد عدد القراءات على عدد الأحرف السبعة، وتفرع الكثير عن القليل، وكان الفرق- على نحو مما سبق- كالفرق بين أجزاء من الشيء وجملة ذلك الشيء) (?).
- وبهذا ظهر اتحاد القراءات مع الأحرف السبعة اتحاد الأجزاء المعنية للشيء مع الشيء وسائر أجزائه، ونعنى بسائر أجزاء القرآن أجزاءه التى تنطق على وجه واحد فى كل القراءات وفى كل اللهجات التى نزل عليها القرآن الكريم، مثل ألفاظ سورة الفاتحة التى بهذه الصفة كلفظ الْعالَمِينَ، الرَّحْمنِ، الرَّحِيمِ، يَوْمِ الدِّينِ،