واختلاف التنوع يمكن لنا الجمع بين الأقوال فيه، أما اختلاف التضاد فلا يمكن لنا الجمع فيه بين تلك الأقوال.
وموقفنا مع روايات السلف التى لا يمكن الجمع بينها كالآتى:
(أ) إن كان فى الروايتين أو الروايات صحيح وضعيف، قدم الصحيح على الضعيف.
(ب) وإن كانت الروايات كلها صحيحة رجحنا ما كان منها معتمدا على الشرع، فإن لم يكن شرع يقوى أيا منها أخذنا ما اعتمد على دليل من اللغة أو غيرها.
فإن تعارضت الأدلة أو لم نستطع ترجيح قول على آخر بأى وسيلة فوضنا الأمر لله- تعالى- وآمنا بما جاء فى كتابه، ويعامل هذا النص القرآنى معاملة المتشابه.
قال الإمام أبو طالب الطبرى- فيما ينقله عنه السيوطى فى شأن اختلاف الصحابة:
«وإذا تعارضت أقوالهم وأمكن الجمع بينها فعل، نحو أن يتكلم على الصراط المستقيم، وأقوالهم فيه ترجع إلى شىء واحد، فيدخل منها ما يدخل فى الجمع، فلا تنافى بين القرآن، وطريق الأنبياء، وطريق السنة، وطريق النبى صلّى الله عليه وسلم، وطريق أبى بكر وعمر، فأى هذه الأقوال أفرده كان محسنا.
وإن تعارضت رد الأمر إلى ما ثبت فيه السمع، فإن لم يجد سمعا وكان للاستدلال طريق إلى تقوية أحدها رجح ما قوى الاستدلال فيه، وإن تعارضت الأدلة فى المراد، علم أنه قد اشتبه عليهم، فيؤمن بمراد الله- تعالى- ولا يتهجم على تعيينه، وينزله منزلة المجمل قبل تفصيله، والمتشابه قبل تبيينه». (?)
هذا كله إذا كانت الروايات واردة عن شخصين أو أكثر، فإن كانت واردة عن شخص واحد قدمنا الصحيح على غيره، فإن كانت مستوية فى الصحة قدم المتأخر على المتقدم، فإن لم نعرف المتأخر من هذه الروايات الصحيحة سلكنا معها مثل ما سلكنا مع الروايات الصحيحة الواردة عن شخصين أو أكثر.
ويرى بعض العلماء- كالزركشى- أنه إذا تعذر الجمع بين أقوال الصحابة قدم قول ابن عباس- رضى الله عنهما- على غيره، لدعاء النبى صلّى الله عليه وسلم له، بينما يرى الشافعى- رحمه الله- تقديم قول زيد بن ثابت فى مسائل المواريث، لشهادة رسول الله صلّى الله عليه وسلم له فيها. (?)
بالإضافة إلى ما قررناه الآن يوجد عدة مرجحات يرجع إليها، لترجيح رأى على غيره، ويأتى على رأس هذه المرجحات: