العلاقة مع الله- تعالى- بالعبادات ومع الخلق بالمعاملات، ومع النفس بتزكيتها بالأخلاق الصالحة واقتلاع الأخلاق السيئة، كل ذلك عجزت عنه عقول البشر، لأن حقائق الأشياء وسبل إصلاحها لا يحيط بها- على الحقيقة- إلا موجدها، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟ (?)

إن منطق العقل والتجربة يقضى بالرجوع- فى صيانة كل صنعة وإصلاحها- إلى صانعها لتظل فى وضعها الأمثل، وقد أودع الخالق- جل وعلا- منهج إصلاح الخليقة فى دستوره العظيم (القرآن المجيد) الذى هو مصدر الهداية والكمال الأعلى، وقد صرح بذلك- سبحانه- فى قوله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (?).

ولقد اتفقت كلمة ذوى العقول الصحيحة على أن العقل والعلم البشرى لا يغنيان إطلاقا عن هداية الرسل بما أوحاه الله إليهم، مهما ارتقت مدارك الحكماء والمفكرين فى معارفهم العقلية، فإن حكمتهم وآراءهم وعلومهم إنما هى آراء بشرية ناقصة، وظنون لا تبلغ من عالم الغيب إلا أنه موجود مجهول (?)!! وهى عرضة للخطأ والتخطئة والخلاف فيها على أية حال. وأحكامها نسبية، فإلام التحاكم إذا عند الاختلاف الذى هو من سنن الأحكام الاجتهادية؟

هنا تتجسد ضرورة الوحى والبيان النبوى لحسم النزاع والخلاف، كما نطق التنزيل فى قوله تعالى: وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (?).

وإذا تحصل لنا من جملة ما سبق: أن صلاح البشر بالدين مبنى على الإيمان بالغيب والوقوف فيه عند خبر الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- ولا يمكن إصلاحهم بالعلوم المادية الكسبية وحدها، فإنه يقع فى دائرة اليقين أنه لا سبيل إلى إنقاذ البشرية فى هذا العصر إلا بإثبات الوحى المحمدى الموحد لإنسانيتهم، المزكى لأنفسهم واتباع هديه الذى هو مناط السعادتين الدنيوية والأخروية (?)، وهو المخرج الوحيد لكل ما تعانيه الإنسانية من شقاء وظلم وعناء وجموح واستبداد، وقد أوضح التنزيل منهج الهداية والنجاة بقوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (?).

*****

طور بواسطة نورين ميديا © 2015