لحين كلام الطبرى لموافقته ما نعتقده وخاصة فى ردّه على القائلين بأن الأحرف السبعة كانت سبع لغات.
ولكن لنا رد آخر على القائلين بهذا الرأى وهو: هل كان للعرب لغات متنافرة لا يفهم بعضهم بعضا حتى يحتاجوا إلى أن ينزل القرآن على سبع لغات فى الكلمة الواحدة؟، فلو كان الأمر كذلك، كيف كانوا يحفظون قصائد شعراء القبائل، وإن لم يكن الشاعر من نفس قبيلة الحفاظ؟ وكيف كان الشاعر يجوب القبائل يعرض شعره بغير ترجمان، فالنابغة تارة عند الغساسنة فى الشام، وأخرى عند المناذرة فى العراق، وشعره يفهمه أهل القريتين، والمعلقات السبع على أستار الكعبة يفهمها القاصى والدانى، وأسواق العرب الجامعة يتعامل فيها الناس، ويتساجل فيها الشعراء، وهم من قبائل شتى. والنبىّ صلّى الله عليه وسلم يقابل الوفود ويعرض عليهم الإسلام فيفهمون كلامه.
وأيضا الترادف، وإن كان القائلون به هم الأكثرون ولكنهم لم يذكروا من ثمراته أن العرب كانوا مضطرين إليه لفهم بعضهم بعضا؛ ولذا فهذا الرأى رأى ساقط عند الطبرى وعندنا.
وفيما نرى أن الطبرى يقرر بكل وضوح وصراحة وصرامة أن اختلاف اللهجات واللغات والقراءات فى النطق لا علاقة لها بحديث تعدد الأحرف السبعة، وهذا هو مذهب الطبرى الذى صرّح به، فلا داعى للتفرقة بين اللازم البين وغيره؛ لأنه هو مذهب الرجل.
والذى يدفعنا للرد على كلام الطبرى، أن مؤدى مذهبه هذا ضياع ستة أحرف من القرآن وأن القرآن فى العصر المكى كان قاصرا على قريش، وأنّ من سواهم ممن عرض عليهم الإسلام معذورون غير مقصرين فى الجحود والكفر بمعجزته وشريعته لعدم فهمهم. وكل هذا مناف لما كان عليه العرب وواقعهم.
والظاهر من كلام الطبرى أنه يرى أن حكمة التيسير تقتضى أن تشمل الأحرف السبعة القرآن كله أو أكثره، وعليه يلزمه ما قدمناه، ولو عكس دعواه فجعل اختلاف اللهجات سبيلا إلى اختلاف النطق، فبهذا لا تكون هناك صلة بين دعواه وحديث الأحرف السبعة، بل بهذا يعود الاختلاف إلى حرف واحد ويلزمه ما لزمه من قبل.
وما استدل به من آثار لم يصحّ منها أثر واحد، على ما سبق أن وضحنا، ولم يجد فيها مثالا واحدا يؤيد دعواه حتى اخترع