كلمة، ومن هذا الاستعمال قوله تعالى:
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا فقال: إنما يعنى بالكلمة هاهنا قوله فى سورة القصص:
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ فأطلق الكلمة على كل هذا الكلام؛ ومن ثمّ خاطب النبىّ صلّى الله عليه وسلم من بالحضرة وسائر العرب فى هذا الخبر من تسمية القراءة حرفا لما يستعملون فى لغتهم وما جرت عليه عادة منطقهم (?).
وعقّب ابن الجزرى فى «النشر» على كلام أبى عمرو فذكر أن كلا الوجهين محتمل، وفرّق بينهما، وذكر أن حديث «أنزل القرآن على سبعة أحرف» يحتمله الوجه الأول، وحديث عمر مع هشام رضى الله عنهما يحتمله الوجه الثانى (?).
والصواب: أن المعنيين لا فرق بينهما؛ لأن عمر رضي الله عنه قال: سمعته يقرأ فيها أحرفا لم يكن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أقرأنيها، فلو كان معنى الحرف يخالف معنى القراءة تعلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم عمر ذلك ولنبهه لحاجته إلى معرفة ذلك.
وإذا عدنا إلى كلام أبى عمرو الدانى فنجد أن الوجه الأول اختاره جماعة من العلماء ذكرهم الزركشى فى «البرهان» منهم أبو عبيد القاسم بن سلام وأحمد بن يحيى ثعلب، ونقله حكاية ابن دريد (?) عن أبى حاتم السجستانى (?)، وبعضهم عن القاضى أبى بكر الباقلانى. وذكر أن بعض القرآن نزل بلغة قريش وبعضه نزل بلغة هذيل، وبعضه بلغة تميم، وأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بكر، ومعانيها كلها واحدة. واحتج الأزهرى (?) لهذا القول بقول عثمان فى جمع القرآن: «وما اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلغة قريش، فإنه أكثر ما نزل بلسانه». وفى رواية: «إنما نزل بلسانهم».
فعلى فرض أن هذه الرواية الأخيرة هى المحفوظة، فإن الحصر ب (إنما) ليس حصرا حقيقيا بل إضافيا؛ لكثرة ما نزل بلغة قريش.
ونقل الزركشى عن ابن قتيبة وغيره إنكارهم أن يكون فى القرآن حرف من غير لغة قريش لقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ونقل عن ابن قتيبة قوله: ولا نعرف فى القرآن حرفا واحدا يقرأ على سبعة أوجه. ثم نقل تغليط ابن الأنبارى لابن قتيبة بحروف منها قوله تعالى: وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ وقوله تعالى: أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وقوله باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا.