وَرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عُلُوِّ مَكَانَتِهِ - لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّشْرِيعِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْبَيَانِ، وَعَلَيْهِ وَاجِبُ التَّبْلِيغِ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِل إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (?) وَيَقُول تَعَالَى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (?) وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّل إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (?)
وَهَذَا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ قَاطِبَةً، بَل أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ كُلُّهَا، وَلَمْ يَشِذَّ عَنْ ذَلِكَ إِلاَّ الَّذِينَ رَفَضُوا الاِنْصِيَاعَ إِلَى شَرَائِعِ اللَّهِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلاً.
وَسَنُبَيِّنُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - ذَلِكَ بِالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ، مُبَيِّنِينَ الْمَذَاهِبَ وَالأَْدِلَّةَ الَّتِي لاَ تَدَعُ مَجَالاً لِلشَّكِّ فِي أَنَّ الْحُكْمَ لِلَّهِ وَحْدَهُ.
لَفْظُ " الاِجْتِهَادِ ":
9 - الاِجْتِهَادُ لُغَةً مَأْخُوذٌ مِنْ الْجَهْدِ، وَهُوَ الْمَشَقَّةُ أَوِ الْوُسْعُ أَوِ الطَّاقَةُ. قَال فِي الْقَامُوسِ: الْجَهْدُ: الطَّاقَةُ وَالْمَشَقَّةُ. . . إِلَى أَنْ قَال: وَالتَّجَاهُدُ بَذْل الْجَهْدِ كَالاِجْتِهَادِ.
وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ اعْتِقَادِيٍّ أَوْ عَمَلِيٍّ، أَوْ مَعْرِفَةِ حُكْمٍ لُغَوِيٍّ أَوْ مَسْأَلَةٍ عَقْلِيَّةٍ، أَوْ كَانَ فِي أَمْرٍ مَحْسُوسٍ كَحَمْل شَيْءٍ، وَلاَ يُقَال: اجْتَهَدَ فِي حَمْل وَرْدَةٍ.
وَأَمَّا الاِجْتِهَادُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْفِقْهِ أَوِ الأُْصُول فَقَدْ عَرَّفُوهُ بِتَعَارِيفَ مُتَقَارِبَةٍ فِي أَلْفَاظِهَا وَمَعَانِيهَا. وَإِذَا كَانَ قَدْ أُورِدَ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ التَّعَارِيفِ اعْتِرَاضَاتٌ تَرْجِعُ إِلَى الصِّنَاعَةِ اللَّفْظِيَّةِ، فَكُلُّهَا تَدُورُ حَوْل بَذْل الْجَهْدِ وَالطَّاقَةِ لِمَعْرِفَةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ