يقول ابن جرير رحمه الله تعالى: (وأما تأويل قوله: (وهو العلي) فإنه يعني: والله العلي، والعلي الفعيل من قولك: علا يعلو علواً إذا ارتفع فهو عال وعلي، والعلي: ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته) (?).
وقال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: (العلي، الأعلى) هو الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه: علو الذات، وعلو القدر والصفات، وعلو القهر.
فهو الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وبجميع صفات العظمة والكبرياء والجلال والجمال وغاية الكمال اتصف، وإليه فيها المنتهى) (?).
والله تبارك وتعالى له جميع أنواع العلو، ومن أنكر شيئاً منها، فقد ضل ضلالاً بعيداً، وقد جاءت النصوص بإثبات أنواع العلو لله، وهي:
1 - علو الذات، فالله تبارك وتعالى مستو على عرشه، وعرشه فوق مخلوقاته، كما قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [يونس: 3].
وقال: اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه 5].
والله مستو على عرشه فوق عباده، كما قال تبارك وتعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام: 18].
وقال: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل: 50].
وفي إثبات علو الذات الإلهية يقول ابن القيم في نونيته:
فهو العلي بذاته سبحانه ...
إذ يستحيل خلاف ذا ببيان
وهو الذي حقا على العرش استوى ...
قد قام بالتدبير للأكوان ... ... 2 - علو القهر والغلب، كما قال تعالى: هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الزمر: 4]. فلا ينازعه منازع، ولا يغلبه غالب، وكل مخلوقاته تحت قهره وسلطانه، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وقد وصف الحق – تبارك وتعالى – نفسه بصفات كثيرة تدل على علو القهر والغلب كالعزيز، والقوي، والقدير، والقاهر والغالب ونحو ذلك. قال سبحانه: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام: 18].
3 - علو المكانة والقدر، وهو الذي أطلق عليه القرآن: (المثل الأعلى) كما في قوله تعالى: وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ [النحل: 60]، وقوله: وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الروم: 27].
فالمثل الأعلى: الصفات العليا التي لا يستحقها غيره، فالله هو الإله الواحد الأحد، وهو متعال عن الشريك والمثيل والند والنظير: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 1 - 4].
وفي إثبات كل أنواع العلو للعلي العظيم يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:
وهو العلي فكل أنواع العلو ... له فثباته بلا نكران (?)
ويقول أيضاً: في نونيته مبيناً اسمي الجلالة (الأعلى، والعلي) ودلالتهما على علو الله تعالى على خلقه:
هذا وثانيها صريح علوه ... وله بحكم صريحه لفظان
لفظ العلي ولفظة الأعلى معرفة ... أتتك هنا لقصد بيان
إن العلو له بمطلقه على التعميم ... والإطلاق بالبرهان
وله العلو من الوجوه جميعها ... ذاتاً وقهراً من علو الشان (?)
@ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها لعبد العزيز بن ناصر الجليل – ص: 256