إن صرف هذه النذور والأموال لأصحاب القبور هو الشرك الأكبر بعينه. والكفر البواح الذي من أجله أرسل الله الرسل, وأنزل الكتب, فإلى متى يسكت علماء المسلمين عن هذا الشرك وذلك الضلال المبين, فاستيقظوا يا حماة التوحيد, واصدعوا بالحق يا رجال العقيدة, فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر: 94].

ثم نعود إلى الإمام الشاطبي رحمه الله وهو يضرب أمثلة على البدع المكفرة والمخرجة عن الملة حيث يقول: (وكذلك بدعة المنافقين حيث اتخذوا الدين ذريعة لحفظ النفس والمال وما أشبه ذلك مما لا شك فيه أنه كفر صراح) (?).

قلت: ومن الفرق المارقة من الدين بإجماع المسلمين فرق الباطنية من إسماعيلية, وقرامطة, ودروز, ونصيرية, وغلاة الرافضة القائلين بارتداد الصحابة, ونقص القرآن الكريم, ودعوى العصمة لغير الأنبياء, ونحو ذلك من كفرياتهم. وكذا من ظهر في هذا العصر من الفرق المارقة الملحدة مثل القاديانية والبهائية ومن على شاكلتها.

إذاً فالقسم الأول من البدع هي تلك البدع المكفرة بدون شك أو ريب كما أسلفنا. ثم بين الشاطبي القسم الثاني وهو ما دون الكفر, أو المشكوك في كفر صاحبه من عدمه. ومنها ما هو من المعاصي التي ليست بكفر, أو يختلف هل هي كفر أم لا؟ كبدعة الخوارج, والقدرية, والمرجئة ومن أشبههم من الفرق الضالة.

ومنها ما هو معصية اتفاقاً وليست بكفر, كبدعة التبتل, والصيام قائماً في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع, ومنها ما هو مكروه، كقراءة القرآن بالإدارة، والاجتماع للدعاء عشية عرفة.

فمعلوم أن هذه البدع ليست في رتبة واحدة, فلا يصح مع هذا أن يقال: إنها على حكم واحد، هو الكراهة فقط، أو التحريم فقط (?).

ثم يذكر الشاطبي وجهاً ثالثاً لبيان أحكام البدع فيقول: (إن المعاصي منها صغائر ومنها كبائر، ويعرف ذلك بكونها واقعة في الضروريات فهي أعظم الكبائر، وإن وقعت في التحسينيات فهي أدنى رتبة بلا إشكال، وإن وقعت في الحاجيات فمتوسطة بين الرتبتين. ثم إن كل رتبة من هذه الرتب لها مكمل، ولا يمكن للمكمل أن يكون في رتبة المكمَّل، فإن المكمل مع المكمل في نسبة الوسيلة مع المقصد، ولا تبلغ الوسيلة رتبة المقصد، فقد ظهر تفاوت رتبة المعاصي والمخالفات. وأيضاً فإن الضروريات إذا تؤملت وجدت على مراتب في التأكيد وعدمه، فليست مرتبة النفس كمرتبة الدين، وليس تستصغر حرمة النفس جنب حرمة الدين، فيبيح الكفر الدم, والمحافظة على الدين مبيح لتعريض النفس للقتل والإتلاف في الأمر بمجاهدة الكفار والمارقين عن الدين.

ومرتبة العقل والمال ليست كمرتبة النفس، ألا ترى أن قتل النفس مبيح للقصاص؟ فالقتل بخلاف العقل والمال، وكذلك سائر ما بقي، وإذا نظرت في مرتبة النفس تباينت المراتب، فليس قطع العضو كالذبح، ولا الخدش كقطع العضو, وهذا كله محل بيانه الأصول.

وإذا كان كذلك فالبدع من جملة المعاصي، وقد ثبت التفاوت في المعاصي, فكذلك يتصور مثلها في البدع، فمنها ما يقع في الضروريات - أي أنه إخلال بها -, ومنها ما يقع في رتبة الضروريات، ومنها ما يقع في الدين, أو النفس, أو النسل, أو العقل, أو المال) (?).

وإليك أخي القارئ تلخيصاً للأمثلة التي أوردها الإمام الشاطبي رحمه الله لبيان تأثير البدع على الكليات الخمسة وغيرها من الأضرار مع زيادة نافعة إن شاء الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015