المطلب الثالث: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنظر إلى المطالب به (?)
يعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية (?) (?) إذا قام به البعض سقط الحرج والإثم عن الباقين. وإن لم يقم به أحد أثم القادرون جميعاً .. وفي المنكر المعين يأثم كل من علم به وكانت لديه القدرة على إنكاره فلم ينكر ولم يكن له عذر في سكوته (?).
ويبغي هنا التفطن إلى أمرين هما:
الأول: أن الإنكار بالقلب لا ينفك عن أحد أبداً (?) كما تقدم، وكما سيأتي أيضاً عند الكلام على مراتب الإنكار.
الثاني: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يتحول إلى فرض عين .. وذلك إذا كان المنكر المراد رفعه أو المعروف المراد إيجاده وفعله لا يتمكن من القيام به -أي الأمر والنهي- إلا فلان بعينه، فإنه يتعين عليه .. كذلك يقال إذا لم يعلم به غيره. وهذا يكثر وقوعه في البيوت، فإن الناس غالباً لا يطلعون على ما يدور فيها .. فـ ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) (?) (?).
هذا وقد دار خلاف طويل حول قوله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران: 104] ومحور الخلاف هو قوله مِّنكُمْ هل (من) هنا بيانية أو تبعيضية؟!
فذهب جماعة منهم الزجاج والرازي (?) والبغوي إلى أنها بيانية، ورجحه من المعاصرين صاحب صفوة الآثار والمفاهيم (?).
قال الزجاج: ومعنى (ولتكن منكم أمة) –والله أعلم- ولتكونوا كلكم أمة تدعون إلى الخير وتأمرون بالمعروف، ولكن (من) تدخل ههنا لتخص المخاطبين من سائر الأجناس وهي مؤكدة أن الأمر للمخاطبين، ومثل هذا من كتاب الله فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ [الحج: 30] ليس يأمرهم باجتناب بعض الأوثان، ولكن المعنى: اجتنبوا الأوثان فإنها رجس. ومثله من الشعر قول الشاعر:
أخو رغائب يعطيها ويسألها ... يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
أي: هو النوفل الزفر. لأنه قد وصفه بإعطاء الرغائب والنوفل: الكثير الإعطاء للنوافل والزفر: الذي يحمل الأثقال.
والدليل على أنهم أمروا كلهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوله جل وعلا: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران: 110] (?) ا. هـ.