قال الإمام البخاري في صحيحه: (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي على أيدي أُغيلمة سفهاء) وذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش)) (?) قال الحافظ: وأما قوله: ((لو أن الناس اعتزلوهم)) محذوف الجواب وتقديره لكان أولى بهم .. ويؤخذ من هذا الحديث استحباب هجران البلدة التي يقع فيها إظهار المعصية، فإنها سبب وقوع الفتن التي ينشأ عنها عموم الهلاك.

قال ابن وهب عن مالك: تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهاراً. وقد صنع ذلك جماعة من السلف. ا. هـ (?).

أما إن كان لا يخشى من المخالطة وقوع محذور مما سبق، وبقاؤه ينفع الناس، فهذا قد يتعين عليه البقاء وترك العزلة، وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن المسلم إن كان يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)) (?).

وهذا يشبه زماننا هذا والله المستعان.

وأما القسم الثاني من الفتن، وهي التي لا يعرف الحق فيها من الباطل، حيث تلتبس فيها الأمور، وهذا الالتباس ناتج عن طبيعة الفتنة وتلونها .. أو ناتج عن عدم قدرة المعاصر لها من تمييز الحق فيها من الباطل .. وأكثر ما يكون هذا في آخر الزمان .. وعلى ذلك تنزل كثير من الأحاديث السابقة في أول الكلام .. كحديث حذيفة، وحديث أبي سعيد، وحديث ابن عمرو بن العاص، وغيرها .. والله أعلم بالصواب.

الحال الثانية: من الأحوال التي يسقط فيها وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي:

العجز الحسي وهذا واضح لا يحتاج إلى بيان، فإن من عجز عن القيام بعمل (طولب به) عجزاً حسياً لم يكلف به، كمن عجز عن الجهاد لمرضه أو عرجه أو لذهاب بصره أو غير ذلك، وهذا معروف لا يحتاج إلى تعريف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015