تبين ... أن أصل هذا العمل واجب قطعاً .. لكن هذا الوجوب لا يكون لازماً في كل مطلوب شرعاً ولا على كل فرد كل حال (فيما زاد على القلب).
إذا عرفت هذا وتبينته فاعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يكون واجباً، وقد يكون مستحباً، وقد يكون محرماً، وقد يكون مكروهاً ..
أما حال كونه واجباً: فهذا يحصل إذا كان العمل المأمور به من الواجبات، أو الفعل المرتكب –الذي يراد النهي عنه- معدوداً من المحرمات (?) .. فهنا يجب الأمر أو النهي ما لم يكن هناك عذر في تركه.
متى يسقط الوجوب (?): لا شك أن الإنكار بالقلب لا يسقط بحال من الأحوال، لكن الإنكار باليد واللسان قد يسقط وجوبه وذلك في واحد من ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: إذا تكاثرت الفتن والمنكرات (?):
وهذا يكون على نوعين:
النوع الأول: ما يكون في آخر الزمان؛ وهذا النوع هو الذي تحمل عليه كثير من الأحاديث الواردة في العزلة والتي منها حديث أبي سعيد –رضي الله عنه- مرفوعاً ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)) (?).
ومن ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما-: ((شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه وقال: كيف أنت يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة قد مرجت عهودهم وأمانتهم واختلفوا فصاروا هكذا، قال: فكيف أصنع يا رسول الله؟! قال: تأخذ ما تعرف وتدع ما تنكر وتقبل على خاصتك وتدعهم وعوامهم)) (?).
وفي لفظ آخر: ((بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكرت الفتنة فقال: إذا رأيتم الناس مرجت عهودهم وخفت أمانتهم وكانوا هكذا –وشبك بين أصابعه- قال ابن عمرو: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك، وأملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة)) (?).