ثانيا: أن نثبت له الأجر ولا نقلده على خطئه

لقوله عليه الصلاة والسلام: ((الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر)) (?). تحذير الفضلاء من اتباع زلات العلماء – عقيل بن محمد بن زيد المقطري - ص: 13

هذا الحديث يدل على أن العالم – إذا كان مستوفياً لشروط الاجتهاد – إذا اجتهد في مسألة ما واستفرغ جهده للوصول إلى الحق أجر على ذلك أجران إن أصاب الحق، أجر على اجتهاده وأجر على إصابته الحق.

وإذا لم يصب الحق أجر أجراً واحداً وذلك على اجتهاده ورفع عنه الإثم والحرج على عدم إصابته للحق لقوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: 286] لكن الأمر الذي يجب أن يتنبه له هو أن هذا الخطأ الذي أخطأ فيه العالم لا يجوز متابعته عليه بل يجب أن يحذر العامة كي لا يغتروا به، إلا أن المتتبعين للرخص يحتجون بتقليد العالم في هذه الزلة فيقال لهم: طالما وأنتم مقلدون فما هو الحامل لكم على تقليد هذا العالم ومخالفة الكثيرين من العلماء من أفتى بخلافه.

ثم يقال لهم أيضاً إن كنت حسب ما تقولون إنكم مقلدون لهذا العالم في هذه الزلة (والتي تسمونها رخصة)، فلم لا تقلدونه في الأمور الأخرى مما لم يرخص فيه؟

بل نراكم تبحثون عن عالم آخر تأخذون عنه زلاته التي خالف فيها العالم الأول وهكذا دواليك. والحقيقة أنهم اتخذوا التقليد ستاراً لتحقيق رغبات أنفسهم.

هذا ولقد حذر سلفنا الصالح من زلات العلماء وذلك لأن العالم إذا زل تابعه على ذلك كثير من الناس ولذلك قيل: (زلة العالِم – بكسر اللام – زلة العالَم – بفتح اللام-).

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما روى ذلك عنه الدارمي في (السنن)، وابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله) بإسناد صحيح قال: (ثلاث يهدمن الدين: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون) (?).

وقال ابن عباس كما في (المدخل) للبيهقي والخطيب في (الفقيه والمتفقه) وابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله) بإسناد حسن: قال: ويل للأتباع من زلة العالم، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يقول العالم الشيء برأيه فيلقى من هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه فيخبره ويرجع ويقضي الأتباع بما حكم (?).

وقال الإمام الشاطبي كما في كتابه (الموافقات): (وقد روي عن ابن المبارك أنه قال: كنا في الكوفة فناظروني في ذلك –يعني في النبيذ المختلف فيه- فقلت لهم: تعالوا فليحتج المحتج منكم عمن شاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة. فإن لم نبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة صحت عنه. فاحتجوا، فما جاؤوا عن واحد برخصة إلا جئناهم بشدة فما لم يبق في يد أحد منهم إلا عبد الله بن مسعود وليس احتجاجهم عنه في رخصة النبيذ بشيء يصح عنه. قال ابن المبارك: فقلت للمحتج عنه في الرخصة: يا أحمق: عدَّ أن ابن مسعود لو كان ههنا جالساً فقال هو لك حلال وما وصفنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الشدة كان ينبغي لك أن تحذر أو تحير أو تخشى فقال قائلهم: يا أبا عبد الرحمن: فالنخعي والشعبي وسمى عدة معهما كانوا يشربون الحرام؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015