الخطأ من مقتضى الطبيعة البشرية لا يسلم منه إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وإن الخطأ لا يستلزم الإثم؛ بل المجتهد المخطئ مأجور.
وقال أبو هلال العسكري رحمه الله: (ولا يضع من العالم الذي برع في علمه زلة، إن كانت على سبيل السهو والإغفال؛ فإن لم يعر من الخطإ إلا من عصم الله جل ذكره، وقد قالت الحكماء: (الفاضل من عدت سقطاته)، وليتنا أدركنا بعض صوابهم, أو كنا ممن يميز خطأهم) (?) اهـ.
تريد مهذباً لا عيب فيه ... وهل عود يفوح بلا دخان
آخر:
فإن يكن الفعل الذي ساء واحداً ... فأفعاله اللائي سررن ألوف
وقال الإمام ابن الأثير – رحمه الله -: (وإنما السيد من عدت سقطاته، وأخذت غلطاته، فهي الدنيا لا يكمل بها شيء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((حق على الله ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه)) (?)) (?).
من ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا بمعصومين، وهذا في الذنوب المحضة، وأما ما اجتهدوا فيه: فتارة يصيبون، وتارة يخطئون، فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجر على اجتهادهم، وخطؤهم مغفور لهم، وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين، فتارة يغلون فيهم ويقولون: إنهم معصومون، وتارة يجفون عنهم ويقولون: إنهم باغون بالخطأ. وأهل العلم والإيمان: لا يعصمون, ولا يؤثمون) (?).
وقال أيضاً رحمه الله: (وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء، كما ليس له أن يتكلم في أهل العلم والإيمان إلا بما هم له أهل، فإن الله تعالى عفا للمؤمنين عما أخطأوا، كما قال تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286]. قال الله: ((قد فعلت)) (?).
وأمرنا أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا ولا نتبع من دونه أولياء، وأمرنا أن لا نطيع مخلوقاً في معصية الخالق، ونستغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، فنقول: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر: 10].
وهذا أمر واجب على المسلمين في كل ما كان يشبه هذا من الأمور، ونعظم أمره تعالى بالطاعة لله ورسوله، ونرعى حقوق المسلمين، لاسيما أهل العلم منهم، كما أمر الله ورسوله، ومن عدل عن هذه الطريق فقد عدل عن اتباع الحجة إلى اتباع الهوى في التقليد، وآذى المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فهو من الظالمين، ومن عظم حرمات الله، وأحسن إلى عباد الله، كان من أولياء الله المتقين، والله سبحانه أعلم) (?). حرمة أهل العلم لمحمد إسماعيل المقدم – ص: 371
لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ، فعلماء الحديث والأثر وأهل الفقه والنظر ربما حصل منهم أغلاط لأنَّهُم غير معصومين، وهذه الأغلاط التي قد تحصل منهم، حُصُولها من نِعَمِ الله - عز وجل -.
ولمَّا سُئِلَ بعض الأئمة عن غلط العالم؛ كيف يغلط العالم، كيف يخالف السنة، كيف يكون في سلوكه مُقَصِّرْ، كيف يغيب عن ذهنه في مسألة التدقيق ويتساهل؟