العلماء المقصود بهم: العالمون بشرع الله، والمتفقهون في الدين، والعاملون بعلمهم على هدى وبصيرة، على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلف الأمة، الداعون إلى الله بالحكمة التي وهبهم الله إياها: وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة: 269]. والحكمة: العلم والفقه. فعلى هذا فالعلماء بهذا التعريف: هم الدعاة بداهة، والعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء هم الدعاة، فأجدر من يتصدر الدعوة بعد الأنبياء – وقد انقضت النبوة وانتهت – هم العلماء وذلك:
أولا: لأنهم ورثتهم. والأنبياء لم يورثوا درهما ولا ديناراً، إنما ورثوا هذا العلم. والدعوة إنما تكون بالعلم، فأهل العمل هم الدعاة.
ثانياً: العلماء هم حجة الله في أرضه على الخلق، والحجة لا تقوم إلا على لسان داعية بفقهه وبعلمه وبقدوته، فعلى هذا، فالعلماء هم أجدر الناس بالدعوة.
ثالثاً: العلماء هم أهل الحل والعقد في الأمة، وهم أولو الأمر الذين تجب طاعتهم، كما قال غير واحد من السلف في تفسير قوله تعالى: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59]. قال مجاهد: هم أولو العلم والفقه، وإذا كانوا هم أولوا الأمر فولايتهم للدعوة من باب أولى.
رابعاً: العلماء هم المؤتمنون على مصالح الأمة العظمى؛ على دينها، وعلى دنياها وأمنها ومن باب أولى أن يكونوا هم المؤتمنون على الدعوة وشؤونها.
خامساً: العلماء هم أهل الشورى الذين ترجع إليهم الأمة في جميع شؤونها ومصالحها. وإذا كانوا يستشارون في جميع مصالح الأمة – في دينها ودنياها – فمن باب أولى أن يكونوا هم أهل الشورى في الدعوة وقيادتها.
سادساً: العلماء هم أئمة الدين، والإمامة في الدين فضل عظيم، وشرف ومنزلة رفيعة، كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24]. والإمامة في الدين تقتضي بالضرورة الإمامة في الدعوة. وما الدين إلا بالدعوة، وما الدعوة إلا بالدين.
سابعا: العلماء هم أهل الذكر، والذكر بالعلم والدعوة، كما قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 43]. فعلى هذا هم أهل الدعوة إلى الله تعالى.
ثامنا: العلماء أفضل الناس كما قال تعالى: يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11]، وأفضل الناس هو الداعي إلى الله.
تاسعاً: العلماء هم أزكى الناس، وأخشاهم لله، كما قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ [فاطر: 28]. وإذا كانوا هم كذلك، فهم الأجدر أن يكونوا هم الدعاة على هذه الصفات، وهم الأجدر أن يكونوا هم القادة والرواد في الدعوة.
عاشراً: العلماء هم الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر بالعلم والحكمة، إذا فالعلماء هم الدعاة.
حادي عشر: العلماء هم شهداء الله الذين أشهدهم الله على توحيده، وقرن شهادته بشهادته – سبحانه – وبشهادة ملائكته؛ وفي هذا تزكيتهم وتعديلهم، فقال تعالى: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ ومن كانوا كذلك فهم المؤتمنون على الدعوة، وهم الأولى بقيادتها وريادتها.
هذا على وجه العموم، فالعلماء هم أهل هذه الخصال. ولا يلزم أن تتوفر كل هذه الخصال في كل عالم، فالكمال لا يكون إلا لله – سبحانه – لكنهم في الجملة – أي العلماء – لا شك أنهم المتميزون بهذه الصفات الجديرون بها. العلماء هم الدعاة لناصر بن عبد الكريم العقل – ص: 5