قال السهيلي: (النكتة في قوله: ((من قصب)) ولم يقل من لؤلؤ أن في لفظ القصب مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان دون غيرها ولذا وقعت هذه المناسبة في جميع ألفاظ الحديث) (?).

وقال الحافظ ابن حجر: (وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حرية على رضاه بكل ممكن ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها) (?).

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا صخب فيه ولا نصب)) الصخب: الصياح والمنازعة برفع الصوت، والنصب: التعب (?). فنفى عنه ما في بيوت الدنيا من آفة جلبة الأصوات وتعب تهيئتها وإصلاحها.

وقد أبدى السهيلي لنفي هاتين الصفتين حكمة لطيفة فقال: (لأنه صلى الله عليه وسلم لما دعا إلى الإيمان أجابت خديجة رضي الله عنها طوعاً فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب، بل أزالت عنه كل تعب وآنسته من كل وحشة وهونت عليه كل عسير فناسب أن يكون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها) (?).

6 - ومن مناقبها ما حظيت به رضي الله عنها من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتاح لسماع صوت من يشبه صوتها لما وضع الله لها في قلبه من المحبة رضي الله عنها فقد روى الشيخان عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((استأذنت هالة بنت خويلد – أخت خديجة - على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال: اللهم هالة قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدل الله خيراً منها)) (?).

ففي هذا الحديث (دلالة حسن العهد وحفظ الود، ورعاية حرمة الصاحب والمعاشر حياً وميتاً، وإكرام معارف ذلك الصاحب) (?).

7 - ومن مناقبها ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أنها رضي الله عنها خير نساء هذه الأمة: فقد روى البخاري بإسناده إلى علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة)) (?).

وعند مسلم بلفظ: ((خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد)) قال أبو كريب: وأشار وكيع إلى السماء والأرض (?). قال النووي عند شرحه الحديث: (أراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في نسائها وأن المراد به جميع نساء الأرض أي: كل من بين السماء والأرض من النساء والأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه) (?).

قال القرطبي: (الضمير عائد على غير مذكور لكنه يفسره الحال والمشاهدة يعني: به الدنيا) (?).

وقال الحافظ ابن حجر بعد أن حكى أقوال العلماء في مرجع الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم: ((خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة)) والذي يظهر لي أن قوله: ((خير نسائها)) خبر مقدم والضمير لمريم فكأنه قال مريم خير نساء زمانها، وكذا في خديجة، وقد جزم كثير من الشراح أن المراد نساء زمانها لما تقدم في أحاديث الأنبياء في قصة موسى وذكر آسية من حديث أبي موسى رفعه: ((كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية)) (?) فقد أثبت في هذا الحديث الكمال لآسية كما أثبت لمريم، فامتنع حمل الخيرية في حديث الباب على الإطلاق وجاء ما يفسر المراد صريحاً، فروى البزار والطبراني من حديث عمار بن ياسر رفعه ((لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين)) (?) وهو حديث حسن الإسناد واستدل بهذا الحديث على أن خديجة أفضل من عائشة (?)، وسيأتي مزيد تفصيل عند ذكر فضائل عائشة رضي الله عنهن فإنه أدعى لذلك والله أعلم. العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط لسليمان بن سالم السحيمي-ص: 76

طور بواسطة نورين ميديا © 2015