فأجاب: (كلام الشيخ ظاهر، وهو مروي عن الحسن البصري (أن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال)، وهذا معلوم من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْب)) (?)، فمعلوم أن القلب إذا كان فيه إيمان، فلا بد أن تظهر مقتضياته على الجوارح) (?).
(10) وسئل: شخص قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه مصدقاً بقلبه مستسلماً منقاداً لكنه لم يعمل بجوارحه خيراً قط مع إمكان العمل هل هو داخل في المشيئة أم كافر؟
فأجاب: أقول والحمد لله رب العالمين: (إذا كان لا يصلي فهو كافر، ولو قال لا إله إلا الله. لو كان صادقاً بقول لا إله إلا الله مخلصاً بها والله لن يترك الصلاة، لأن الصلاة صلة بين الإنسان وبين الله فقد جاء في الأدلة من القرآن والسنة والنظر الصحيح وإجماع الصحابة كما حكاه غير واحد على أن تارك الصلاة كافر مخلد في نار جهنم وليس داخلاً تحت المشيئة.
ونحن إذا قلنا بذلك لم نقله عن فراغ ونحن إذا قلنا بذلك فإنما قلناه لأنه من مدلولات كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأقوال الصحابة التي حُكي إجماعهم عليها. قال عبدالله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة. ونقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة الحافظ ابن راهويه وهو إمام مشهور.
أما سائر الأعمال إذا تركها الإنسان كان تحت المشيئة يعني لو لم يزك مثلاً فهذا تحت المشيئة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر عقوبة مانع الزكاة قال: ((ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِما إِلَى الْجَنَّةِ وَإِما إِلَى النارِ)) (?) ومعلوم أنه لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة. والصيام والحج كذلك من تركها لم يكفر، وهو تحت المشيئة ولكنه يكون أفسق عباد الله) (?).
قلت: تأمل قوله: (لو كان صادقاً بقول لا إله إلا الله مخلصاً بها والله لن يترك الصلاة) ففيه تقرير للتلازم بين الظاهر والباطن، ورد على من توهم حصول الإيمان في القلب مع تخلف العمل الظاهر جملة. ولهذا لما استقر هذا الوهم صاروا يفترضون مسائل لا يمكن وقوعها، كقولهم هنا: شخص قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه مصدقاً بقلبه مستسلماً منقاداً لكنه لم يعمل بجوارحه خيراً قط مع إمكان العمل! ومعلوم أن القلب لو استسلم وانقاد، لانقادت الجوارح ولابد، فمن جهة عدم إدراك التلازم بين الظاهر والباطن، غلط غالطون، كما قال شيخ الإسلام.
(11) وسئل: كيف نفهم حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم وفيه: ((فَيُخْرِجُ اللَّهُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ)) (?)؟
فأجاب: (نفهم هذا أنه عام وأن أدلة كفر تارك الصلاة خاصة، ومعلوم عند العلماء أن العام لا يخصص (?) بخاص، لأن هذا الحديث لم يقل: لم يصل، حتى نقول: إنه معارض للنصوص الدالة على كفر تارك الصلاة، بل قال: ((لم يعمل خيرا قط)) فلم ينص على الصلاة بل عمم، ونصوص كفر تارك الصلاة خاصة فتخص بما خصصت به) (?).