كما أن المعلوم من الدين بالضرورة هو من الأمور النسبية الإضافية، حيث إنه يختلف كونه علماً ضرورياً باختلاف الأشخاص من حيث العلم أو العامية، أو حداثة العهد بالإسلام، أو النشوء ببادية بعيدة. قال الإمام ابن الوزير رحمه الله: ("النوع الثاني" ما لا يعرف تواتره إلا الخاصة، فلا يكفر مستحله من العامة، لأنه لم يبلغه، وإنما يكفر من استحله وهو يعلم حرمته بالضرورة، مثل تحريم الصلاة على الحائض إلى أمثال لذلك كثيرة ... ) (?).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (كون الشيء معلوماً من الدين ضرورة أمر إضافي، فحديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة قد لا يعلم هذا بالكلية، فضلاً عن كونه يعلمه بالضرورة. وكثير من العلماء يعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد للسهو، وقضى بالدية على العاقلة، وقضى أن الولد للفراش، وغير ذلك مما يعلمه الخاصة بالضرورة، وأكثر الناس لا يعلمه البتة) (?).

كما أن المعلوم من الدين بالضرورة يختلف كونه كذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة من حيث ظهور آثار الرسالة أو دروسها. (فالمعلوم من الدين بالضرورة في الأزمنة (والأمكنة) التي تشرق فيها شمس الشريعة، ويكثر فيها العلماء العاملون الذين يبلغون دين الله ويقيمون الحجة على عباد الله، غير المعلوم من الدين بالضرورة إذا غابت شمس الشريعة، وكان العلماء علماء سوء يلبسون على الناس دينهم، وأهل الحق قليلون، وصوتهم لا يصل إلى الناس كلهم) (?).

فما يجب اعتباره في هذا المقام اختلاف الديار بين دار الإسلام التي هي مظنة لظهور أحكام الإسلام، ودار الكفر التي ليست مظنة لذلك. واختلاف الأمكنة بين مكان يشيع فيه العلم، وبادية بعيدة على العلم، وأمكنة يشيع فيها العلم الصحيح، وأخرى تخيم عليها الضلالة والانحراف.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة التي يندرس فيها كثير من علوم النبوات، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيراً مما بعث الله به رسوله، ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر ... ) (?). الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه لعبد الرزاق بن طاهر معاش – ص: 492

طور بواسطة نورين ميديا © 2015