مستند الإجماع في المسألة: لقد حكم الله تعالى بالكفر على من استهزأ بشيء من آياته فقال عز وجل في كتابه العزيز: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ [التوبة: 64 - 66].
ولا ريب أن الاستهزاء بآيات الله استخفاف واستهانة.
وقد توعد الله من اتخذ آياته هزواً بالعذاب المهين، كما في قوله تعالى: وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ [الجاثية: 9]، ولم يجئ إعداد العذاب المهين إلا في حق الكفار.
وأيضاً فقد توعد الله عز وجل المستهزئين بآياته بالخلود في النار، ولا يخلد فيها إلا الكافر قال الله تعالى: وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ [الجاثية: 34 - 35].
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو حتى لا يقع في أيديهم فيكون عرضة للاستخفاف والاستهانة.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو) (?). وفي رواية مسلم: (مخافة أن يناله العدو) (?).
قال ابن عبد البر رحمه الله: (ومعلوم أن من تنزيه القرآن وتعظيمه إبعاده عن الأقذار والنجاسات، وفي كونه عند أهل الكفر تعريض له بذلك وإهانة له، وكلهم أنجاس لا يغتسلون من الجنابة، ولا يعافون ميتة) (?). المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع لمجموعة مؤلفين – ص: 732
والاستهانة بالمصحف تناقض هذا الإيمان، وتنافيه بالكلية، والمقصود بالاستهانة - هاهنا - الاستخفاف والاستهزاء والاحتقار (?).
والاستهانة بالمصحف قد تكون أقوالاً (?)، وقد تكون أعمالاً.
والاستهانة العملية بالقرآن الكريم أن يفعل عامداً ما يتضمن احتقاراً أو استخفافاً بهذا القرآن، أو إسقاطاً لحرمته، ولهذه الاستهانة عدة أمثلة منها: أن يضع المصحف تحت قدمه، أو يلقيه في القاذورات، أو يسعى إلى تغييره وتبديله بزيادةٍ أو نقصانٍ ......
لقد تكفّل الله تعالى بحفظ كتابه عن كل ما لا يليق من زيادة، أو نقصان، أو تصحيف أو تحريف ونحوه، ومن ثم فإن هذا القرآن لا اختلاف فيه ولا اضطراب ولا تعارض.
ولذا فإن المناسب أن نورد بعض النصوص الشرعية التي تقرر حفظ الله تعالى لكتابه العزيز، ونسوق أقوالاً مختارة لبعض الأئمة في ذلك.