ويذكر ابن تيمية ما يوجبه الطعن في الأنبياء عليهم السلام من الطعن في توحيد الله تعالى وشرعه، وأن سبّ الأنبياء هو أصل جميع أنواع الكفر، فيقول: الطعن في الأنبياء طعن في توحيد الله وأسمائه وصفاته، وكلامه ودينه وشرائعه وأنبيائه وثوابه وعقابه عامة الأسباب التي بينه وبين خلقه، بل يقال: إنه ليس في الأرض مملكة قائمة إلا بنبوةٍ أو أثر نبوة، وإنّ كل خيرٍ في الأرض فمن آثار النبوات وليست أمة مستمسكة بالتوحيد إلا أتباع الرسل، قال سبحانه وتعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [الشورى:13]؛ فأخبر أن دينه الذي يدعو إليه المرسلون كبر على المشركين، فما الناس إلا تابع لهم أو مشرك، وهذا حق لا ريب فيه. فعلم أن سب الرسل والطعن فيهم ينبوع جميع أنواع الكفر، وجماع جميع الضلالات، وكل كفر ففرع منه، كما أن تصديق الرسل أصل جميع شعب الإيمان، وجميع مجموع أسباب الهدى (?).

وقد أورد ابن حزم أدلة القائلين بتكفير ساب نبي من الأنبياء عليهم السلام ثم رجّح هذا القول ... فكان مما قاله في هذه المسألة: فقوله تعالى في المستهزئين بالله وآياته، ورسوله، أنهم كفروا بذلك بعد إيمانهم (?)، فارتفع الإشكال، وصح يقيناً أن كل من استهزأ بشيء من آيات الله وبرسول من رسله فإنه كافر بذلك مرتد.

وقد علمنا بضرورة المشاهدة أن كل ساب وشاتم فمستخفّ بالمشتوم مستهزئ به، فالاستخفاف والاستهزاء شيء واحد. ووجدنا الله تعالى قد جعل إبليس باستخفافه بآدم عليه السلام كافراً، لأنه إذ قال: أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ [ص:76]، فحينئذ أمره تعالى بالخروج من الجنة ودحره، وسماه كافراً بقوله: وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ [ص:74] (?).

إلى أن قال: فصح بما ذكرنا أن كل من سبّ نبياً من الأنبياء، أو استهزأ به ... فهو بذلك كافر مرتد، له حكم مرتد، وبهذا نقول. (?).

3 - وإذا تقرر ما سبق إيراده، فإننا نذكر جملة من كلام أهل العلم في ختام هذه المسألة:

يقول القاضي عياض: قال مالك في كتاب ابن حبيب ومحمد، وقال ابن القاسم، وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وسحنون فيمن شتم الأنبياء، أو أحداً منهم، أو تنقصه: قتل ولم يستتب، ومن سبهم من أهل الذمة: قتل إلا أن يسلم. وروى سحنون عن ابن القاسم: من سب الأنبياء من اليهود والنصارى بغير الوجه الذي به كفر، ضرب عنقه، إلا أن يسلم (?).

وقال ابن نجيم الحنفي: ويكفر بعيبه نبياً بشيء ... (?).

ويقول الدردير المالكي: من سب نبياً مجمعاً على نبوته، أو عرّض بسب نبي، بأن قال عند ذكره: أما أنا فلست بزانٍ أو سارقٍ فقد كفر. وكذا إن ألحق بنبيٍ نقصاً، وإن ببدنه كعرج، وشلل، أو وفور علمه، إذ كل نبي أعلم أهل زمانه وسيدهم صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق (?).

ويقول الشربيني الشافعي: من كذّب رسولاً أو نبياً، أو سبّه أو استخفّ به أو باسمه .. فقد كفر (?).

ويقول مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي: من سب رسولاً ... كفر. (?). نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبداللطيف –ص: 180

طور بواسطة نورين ميديا © 2015