الأصل في ذلك قوله سبحانه: مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن من شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106].
والمشهور في سبب نزولها ما رواه أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: ((أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير قال: كيف تجد قلبك، قال: مطمئناً بالإيمان، قال: إن عادوا فعد)) (?)، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: (واتفقوا على أنه (أي عمار) نزل فيه إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ [النحل:106]. (?). قال أبو بكر الجصاص عن هذه الآية: (هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه) (?)، بل إن هذا أصل العذر بالإكراه في الأصول والفروع، قال ابن العربي: (لما سمح الله تعالى في الكفر به، وهو أصل الشريعة، عند الإكراه، ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به) (?).
قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106]: (فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرهاً، لما ناله من ضرب وأذى، وقلبه يأبى ما يقول وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله) (?)، وقال الإمام ابن الجوزي – رحمه الله -: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106]. أي: ساكن إليه راض به، وَلَكِن من شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا [النحل:106]. قال قتادة: (من أتاه بإيثار واختيار)، وقال ابن قتيبة: (من فتح له صدره بالقبول)، وقال أبو عبيدة: (المعنى: من تابعته نفسه، وانبسط إلى ذلك، يقال: ما ينشرح صدري بذلك، أي: ما يطيب) (?)، وقال الإمام الشوكاني: وَلَكِن من شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا [النحل:106] (أي: اعتقد وطابت به نفسه، واطمأن إليه) (?)، إذاً لابد من طمأنينة القلب بالإيمان، وبغض وكراهية الكفر، وهذا شرط مجمع عليه (?).