قال الجلال المحلي في شرح (جمع الجوامع): وقد اتفقت الطرق الثلاث - يعنى الموجبة للنظر، والمجوزة له، والمحرمة - على صحة إيمان المقلد، انتهى.
وعبارة الآمدي في (الأبكار) اتفق الأصحاب على انتفاء كفر المقلد، وأنه ليس للجمهور إلا القول بعصيانه بترك النظر إن قدر عليه مع اتفاقهم على صحة إيمانه وأنه لا يعرف القول بعدم صحة إيمان المقلد إلا لأبي هاشم بن أبي علي الجبائي من المعتزلة محتجا بأن من لم يعرف الله سبحانه وتعالى بالدليل فهو كافر. قال الآمدي: وأصحابنا مجمعون على خلافه ...
هذا حاصل ما أجيب به عن الأشعري حتى قال بعض الأشاعرة عن الأشعري لا يكاد يكون في العوام مقلد. وعبارة (شرح المقاصد) ذهب كثير من العلماء، وجميع الفقهاء إلى صحة إيمان المقلد، وترتيب الأحكام عليه في الدنيا والآخرة، ومنعه الشيخ أبو الحسن، والمعتزلة، وكثير من المتكلمين، احتج القائلون بالصحة بأن حقيقة الإيمان التصديق، وقد وجدت من غير اقترانه بموجب من موجبات الكفر، فإن قيل: لا يتصور التصديق بدون العلم لأنه إما ذاتي للتصديق أو شرط له، ولا علم للمقلد لأنه اعتقاد جازم مطابق مستند إلى سبب من ضرورة أو استدلال، فأجاب بأن المعتبر في التصديق هو اليقين، أعني الاعتقاد الجازم المطابق بل ربما يكتفي بالمطابقة، ويجعل الظن الغالب الذي لا يخطر معه النقيض بالبال في حكم اليقين. انتهى.
(الرابع) قال السعد: اعلم بأن القائلين بعدم صحة إيمان المقلد أو ليس بنافع اختلفوا، فمنهم من قال: لا يشترط ابتناء الاعتقاد (على استدلال عقلي) في كل مسألة بل يكفي ابتناؤه على قول من عرفت رسالته بالمعجزة مشاهدة أو تواترا، أو على الإجماع، ومنهم من قال: لا بد من ابتناء الاعتقاد في كل مسألة من الأصول على دليل عقلي، لكن لا يشترط الاقتدار على التعبير عنه ولا على مجادلة الخصوم ...
ومنهم من قال: لا بد مع ابتناء الاعتقاد على الدليل العقلي من الاقتدار على مجادلة الخصوم، وحل ما يورد عليه من الإشكالات - قال: وإليه ذهب المعتزلة فلم يحكموا بإيمان من عجز عن شيء من ذلك بل يحكم أبو هاشم بكفره.
وذكر عن العنبري وغيره من شيوخ المعتزلة جواز التقليد في أصول الدين، وأنه لا يجب النظر اكتفاء بالعقد الجازم. فعليه المعول. واتضح أن المرجح صحة إيمان المقلد عند محققي كل طائفة بشرط الجزم وعدم التزلزل والشك، على أنا نقول: المختار أن الراجع إلى أخبار الرسول، والكتاب المنزل، والإجماع ليس بمقلد، فمن شهد لله بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ونهج سبيل المسلمين من فعل المأمور، وترك المحظور، ولم يأت بمكفر، فهو المؤمن، وبالله التوفيق.
ويؤيد هذا ما أخرجه الإمام الحافظ أبو القاسم بن عساكر في كتابه (تبيين كذب المفتري، فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري) بسنده المتصل إلى أبي حازم عمر بن أحمد العبدوي الحافظ أنه قال: سمعت أبا علي طاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري - رحمه الله تعالى - في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: اشهد علي أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف عبارات (?) لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لمحمد بن أحمد السفاريني - بتصرف – 1/ 267
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والذين أوجبوا النظر من الطوائف العامة نوعان: أحدهما: من يقول: إن أكثر العامة تاركوه وهؤلاء على قولين فغلاتهم يقولون: إن إيمانهم لا يصح وأكثرهم يقولون يصح إيمانهم تقليدا مع كونهم عصاة بترك النظر وهذا قول جمهورهم قد ذكر هذا طوائف من الحنفية وغيرهم كما ذكر من ذكر من الحنفية في شرح الفقه الأكبر فقالوا: قال أبو حنيفة وسفيان ومالك والأوزاعي وعامة الفقهاء وأهل الحديث بصحة إيمان المقلد ولكنه عاص بترك الاستدلال ... والنوع الثاني من موجبي النظر - وهم جمهورهم - يقولون: إنه متيسر على العامة كما يقوله القاضي أبو بكر والقاضي أبو يعلى وغيرهما ممن يقول ذلك درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - 4/ 93