فقالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها. فيأمر الله من كان من أهل القبلة فأخرجوا. فقال الكفار: يا ليتنا كنا مسلمين)) (?). وفي الباب عن جابر، وقد تقدم في الباب الذي قبله، وعن أبي سعيد الخدري عند ابن مردويه.) اهـ (?).
فهؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن: يعبدون الله، وهم من أهل القبلة، فكيف يظن أنهم لم يعملوا شيئاً من أعمال الجوارح؟!
3 - حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً في (الصحيحين): وقد جاء فيه عند مسلم: ((أن ملائكة العذاب تقول: إنه لم يعمل خيراً قط، وأن ملائكة الرحمة تقول: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله)) (?).
والملائكة جميعهم صادقون في وصفهم للرجل.
فعلم بهذا أنه قد يقال عن رجل: لم يعمل خيراً قط، مع تلبسه ببعض الأعمال الصالحة. ويكون المراد بالنفي أنه لم يأت بكمال العمل الواجب.
وفي الحديث: ((ومن يحول بينه وبين التوبة؟! انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمن وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له. فقاسوه، فوجوده أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة)) (?).
قال قتادة: فقال الحسن: ذكر لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره.
فهذا السير والانطلاق، ثم النأي بالصدر، أليس عملاً صالحاً من أعمال الجوارح؟!
وهذا فهم السلف ومن على دربهم من أهل العلم المعاصرين لهذه اللفظة ((لم يعملوا خيراً قط)).
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله: (هذه اللفظة: ((لم يعملوا خيراً قط)): من الجنس الذي تقول العرب: ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل: لم يعملوا خيراً قط على التمام والكمال، لا على ما أوجب عليه وأمر به، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي.) اهـ (?).
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث والعلمية والإفتاء بالسعودية، زادها الله عزا وتمكينا: (وأما ما جاء في الحديث: ((إن قوماً يدخلون الجنة لم يعملوا خيراً قط)): فليس هو عاما لكل من ترك العمل وهو يقدر عليه، وإنما هو خاص بأولئك لعذر منعهم من العمل، أو لغير ذلك من المعاني التي تتفق مع مقاصد الشريعة) (?).
وقد سئل فضيلة الشيخ العلامة: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (هل هناك تعارض بن أدلة تكفير تارك الصلاة، وحديث ((لم يعملوا خيراً قط))؟
فأجاب رحمه الله: لا تعارض بينهما، فهذا عام يخصص بأدلة تكفير تارك الصلاة.) اهـ (?).
فإن قيل: إنه لا يليق أن يطلق على من معه هذه الشعيرة العظيمة "الصلاة" لم يعمل خيراً قط.
فجوابه: وهل يليق أن يطلق على من معه عمل القلب (من الإخلاص واليقين والصدق والخشية)، وكذا من يقول أعظم كلمة – (لا إله إلا الله) – لم يعمل خيراً قط؟!
فإن كان الجواب: لا – ولا يصح غيره - فهذا يحملكم على أنه لابد من الجمع بين النصوص حتى لا يقع الزلل الذي ضلت به الفرق من قبل.
هذا ما يسر الله تعالى جمعه من جواب أهل العلم الأثبات عما استشهد به المرجئة وكذا من وقع في الإرجاء، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لتعظيم الكتاب والسنة، ويوفقنا للعمل بهما، والدعوة إليهما والذب عنهما، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. إتحاف النبلاء برد شبهات من وقع في الإرجاء لعلي بن عبد العزيز موسى – ص 97