وكذلك قولهم: من آمن ومات قبل وجوب العمل عليه مات مؤمناً فصحيح؛ لأنه أتى بالإيمان الواجب عليه، والعمل لم يكن وجب عليه بعد). اهـ (?).
وقال رحمه الله أيضاً: (وإذا أفرد الإيمان أدخل فيه الأعمال الظاهرة؛ لأنها لوازم ما في القلب، لأنه متى ثبت الإيمان في القلب، والتصديق بما أخبر به الرسول، وجب حصول مقتضى ذلك ضرورة، فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، فإذا ثبت التصديق في القلب لم يتخلف العمل بمقتضاه البتة، فلا تستقر معرفة تامة ومحبة صحيحة ولا يكون لها أثر في الظاهر، ولهذا ينفي الله الإيمان عمن انتفت عنه لوازمه، فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، كقوله تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء [المائدة: 81]، وقوله: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة: 22] الآية ونحوها. فالظاهر والباطن متلازمان. لا يكون الظاهر مستقيماً إلا مع استقامة الباطن، وإذا استقام الباطن فلابد أن يستقيم الظاهر؛ ولهذا قال النبي: ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب)) (?). اهـ) (?).
وقال رحمه الله أيضاً: (فإذا كان القلب صالحاً بما فيه من الإيمان، علماً وعملاً قلبيا، لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر, والعمل بالإيمان المطلق، كما قال أئمة أهل الحديث: قول وعمل، قول باطن وظاهر، وعمل باطن وظاهر، وإذا فسد فسد، ولهذا قال من قال من الصحابة عن المصلي العابث: (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه). فلابد في إيمان القلب من حب الله ورسوله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ [البقرة: 165]. فوصف الذين آمنوا بأنهم أشد حبا لله من المشركين لأندادهم. اهـ) (?).
الشبهة السادسة: استشهادهم بقول بعض السلف: "الإسلام الكلمة، والإيمان العمل".
وهذا القول مروي عن الزهري، وابن أبي ذئب، ورواية عن أحمد، رحمهم الله جميعاً.
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله (?): قال الزهري – يعني على قوله تعالى -: قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات: 14] قال: نرى الإسلام الكلمة والإيمان العمل (?).
وقال اللالكائي رحمه الله: (أخبرنا محمد أخبرنا عثمان قال: ثنا حنبل قال: سمعت أبا عبد الله – يعني أحمد بن حنبل – وسئل عن الإيمان والإسلام قال: قال ابن أبي ذئب: الإسلام الكلمة والإيمان العمل (?). وساق الخلال بسنده إلى أحمد بن القاسم قال:
سمعت أبا عبد الله يقول: ... قال الزهري: فنرى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل. فاستحسنه أبو عبد الله (?).
والذين استشهدوا بذلك قالوا: فإن ترك العمل خرج من الإيمان إلى الإسلام.
الجواب عن استشهادهم من ثلاثة أوجه: