اهـ (?).
وقال رحمه الله أيضا: (وهذه المسألة (?) لها طرفان:
أحدهما: في إثبات الكفر الظاهر.
والثاني: في إثبات الكفر الباطن.
فأما الطرف الثاني فهو مبني على مسألة كون الإيمان قولاً وعملاً كما تقدم، ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار، كقوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [القلم: 42] (?).
الشبهة الرابعة: قولهم: الإيمان لغة هو التصديق، وهو باق على معناه اللغوي لم ينقل عنه، فوجب أن يكون كذلك في الشرع.
قال العلامة محمد بن نصر المروزي رحمه الله مبينا أن هذا من حجج المرجئة: (ومن أعظم حجج المرجئة التي يقولون بها عند أنفسهم: اللغة، وذلك أنهم زعموا أن الإيمان لا يعرف في اللغة إلا بالتصديق، وزعم بعضهم أن التصديق لا يكون إلا بالقلب، وقال بعضهم: لا يكون إلا بالقلب واللسان، وقد وجدنا العرب في لغتنا تسمي كل عمل حققت به عمل القلب واللسان: تصديقاً). اهـ (?).
الجواب عن هذه الشبهة من أربعة أوجه، كلها لفارس الميدان، وبطل المضمار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
1 - رده رحمه الله على من يرى أن لفظ الإيمان مرادف للفظ التصديق بما يشفي صدور المؤمنين، ويزيل شبهة المبتدعين والمغرورين، وسوف أنقل كلامه بطوله لأهميته:
قال رحمه الله: (وليس لفظ الإيمان مرادفاً للفظ التصديق كما يظنه طائفة من الناس، فإن التصديق يستعمل في كل خبر، فيقال: لمن أخبر بالأمور المشهورة مثل: الواحد نصف الاثنين، والسماء فوق الأرض، مجيبا: صدقت، وصدقنا بذلك، ولا يقال: آمنا لك، ولا آمنا بهذا، حتى يكون المخبر به من الأمور الغائبة، فيقال للمخبر: آمنا له، وللمخبر به: آمنا به، كما قال إخوة يوسف: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا [يوسف: 17]، أي: بمقر لنا، ومصدق لنا؛ لأنهم أخبروه عن غائب، ومنه قوله تعالى: قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [الشعراء: 111]، وقوله تعالى: يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 61]، وقوله: أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [المؤمنون: 47]، وقوله تعالى: وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ [الدخان: 21]، وقوله تعالى: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ [يونس: 83]، أي أقر له.
وذلك أن الإيمان يفارق التصديق، أي: لفظا ومعنى، فإنه أيضا يقال: صدقته، فيتعدى بنفسه إلى المصدق، ولا يقال: أمنته إلا من الأمان الذي هو ضد الإخافة، بل آمنت له، وإذا ساغ أن يقال: ما أنت بمصدق لفلان، كما يقال: هل أنت مصدق له؛ لأن الفعل المتعدي بنفسه إذا قدم مفعوله عليه، أو كان العامل اسم فاعل ونحوه مما يضعف عن الفعل، فقد يعدونه باللام تقوية له، كما يقال: عرفت هذا، وأنا به عارف، وضربت هذا، وأنا له ضارب، وسمعت هذا ورأيته، وأنا له سامع وراء، كذلك يقال: صدقته، وأنا له مصدق، ولا يقال صدقت له به، وهذا خلاف آمن، فإنه لا يقال إذا أردت التصديق: آمنته كما يقال: أقررت له، ومنه قوله: آمنت له، كما يقال: أقررت له، فهذا فرق في اللفظ.