9 - من سب الله تعالى، أو سب نبيه صلى الله عليه وسلم لا يكفر إلا إذا استحل ذلك. وإليه ذهب بعض الفقهاء كالقاضي أبي يعلى، (وإنما أوقع من وقع في هذه المهواة ما تلقوه من كلام طائفة من متأخري المتكلمين، وهم الجهمية الإناث، الذين ذهبوا مذهب الجهمية الأولى، في أن الإيمان هو مجرد التصديق الذي في القلب وإن لم يقترن به قول اللسان، ولم يقتض عملا في القلب ولا في الجوارح) (?).
10 - اشتراط الاستحلال للتكفير بالمكفرات القولية والعملية، كسب الله، والسجود للصنم، ودعاء الأموات، وحقيقته حصر الكفر في الاعتقاد، وبيان ذلك، أن من قال هذا فقد جعل الأقوال والأعمال الكفرية، بمنزلة المعاصي، كالزنا وشرب الخمر، وجعل وجودها غير مؤثر في التكفير، بل المؤثر هو اعتقاد حلها، فآل الأمر إلى حصر الكفر في الاعتقاد.
11 - لا يكفر أحد إلا أن يقصد الكفر، ويريده، وينشرح صدره به، وهذا قول مخالف للكتاب والسنة والإجماع، كما سبق، ومؤداه حصر الكفر في القلب، وهو مذهب المرجئة.
وقد يقول بعضهم:
12 - الكفر يكون بالقول وبالفعل، لكن من شروط التكفير: قصد الكفر، فيرجع إلى ما قبله، من غير شك؛ لأنه إن كان القول كفرا، في ذاته، لم يحتج إلى مكفِّر ثان، وهو قصد الكفر، أو إرادته.
13 - الكفر يكون بالقول أو الفعل، لكن من فعل ذلك لشهوة، أو لعرض من الدنيا: لم يكفر، وهذا كسابقه؛ لأن حقيقته اشتراط اعتقاد الكفر، أو قصده، وجعل ذلك هو الموجب للتكفير، وقد مضى بيان بطلان هذا القول.
14 - ترك العمل الظاهر بالكلية ليس كفرا، وهذا قول المرجئة- كما صرح سفيان، وإسحاق- وهو مبني على قولهم في نفي التلازم بين الظاهر والباطن وظنهم أن الإيمان يستقر في القلب، من غير أن يظهر أثره على الجوارح ... ، وقد حذرت اللجنة الدائمة للإفتاء من بعض الكتب التي ذهبت إلى الحكم بإسلام من ترك جميع العمل الظاهر، واعتبرت ذلك إخراجا للعمل من حقيقة الإيمان الشرعي، وأنه مذهب المرجئة. ومثله قولهم:
15 - عمل الجوارح شرط كمال للإيمان، وليس ركنا أو جزءا أو شرط صحة لإيمان القلب، وهذا مذهب الأشاعرة.
16 - عمل الجوارح ركن في الإيمان، لكن تاركه بالكلية- من غير عذر- مسلم تحت المشيئة. ولا فرق بين هذا وبين الذي قبله إلا في اللفظ، وقد حذرت اللجنة الدائمة من أحد الكتب التي تبنت ذلك، واعتبرته داعيا إلى مذهب المرجئة المذموم.
17 - ترك الصلاة ليس كفرا؛ لأن الكفر عمل قلب، وليس عمل بدن، أو لأن الكفر لا يكون إلا بالقلب، وهذا هو قول المرجئة، وأما من لم يكفر تارك الصلاة، اعتمادا على النظر في الأدلة، مع التسليم بأن الكفر يكون بالقول والفعل، فليس بمرجئ (?).
تنبيه:
ما سبق من أقوال المرجئة، قد يخفى أمره على بعض الناس، أو يوجد في زلات بعض المنسوبين إلى العلم، فيقلده فيه غيره، مع كراهته للإرجاء، وذمه للمرجئة، فلا يقال: إنَّ كلَّ من دان بشيء من هذا، فهو مرجئ بإطلاق، ولكن يقال: هذا القول قول المرجئة، والقائل به وافق المرجئة في كذا، أو دخلت عليه شبهة الإرجاء، وهو إن كان معذورا باجتهاد أو تأويل فالله يغفر له، وإن كان جاهلا لم تقم عليه الحجة، فلا يبدَّع ولا يفسَّق، بل يدعى إلى الحق، ويبين له الصواب، وهذا من الإنصاف والعدل الذي أمرنا به، ولذلك لم يقل أحد من أهل العلم- فيما بلغنا- إن القاضي أبا يعلى الحنبلي مرجئ، لموافقته المرجئة- في أحد قوليه- في اشتراط الاستحلال في كفر الساب، بل عُد ذلك منه زلة منكرة، وهفوة عظيمة (?)، غفر الله له.
ومعلوم أن الفاضل لا تهدر حسناته لأجل خطأ وقع فيه، واعتبر في ذلك بما ذكره الذهبي عن أبي زرعة قال: (كنت عند أحمد بن حنبل، فذكر إبراهيم بن طهمان وكان متكئاً فجلس، وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ، وقال أحمد: كان مرجئاً شديداً على الجهمية) (?). الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين لمحمد بن محمود آل خضير - 1/ 308