ومثل هذا يقال فيمن قال: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ثم هو يكفِّر أهل الإسلام، ويستحل الدماء والأموال، فهو موافق للخوارج، مخالف لأهل السنة، ولو ادعى غير ذلك، فالعبرة بالحقائق والمعاني، لا بالألفاظ والمباني، وإن كان اللفظ السني واجب الاتّباع في هذا الباب.
وما ذكره إسحاق من غلو المرجئة، وزعمها إسلام تارك عامة الفرائض، هو ما يدندن حوله اليوم بعض المعاصرين، ويزعمون أنه قول السلف!
والمقصود أنه يقع الخلط بين كلام أهل السنة، وكلام غيرهم، عند بعض الناس، فيأخذون من هذا ومن هذا، وقد يجمعون بين المتناقضات، ويخلطون بين المقالات، على غير بصيرة، فيكون من أقوالهم:
1 - الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، لكن الكفر لا يكون إلا بالقلب، دون البدن.
2 - الإيمان قول وعمل، وتارك العمل بالكلية - مع القدرة والتمكن - مسلم موحد.
3 - الإيمان قول وعمل، والكفر يكون بالقول والعمل، لكن لا يكفر المعين إلا إذا اعتقد الكفر، أو قصده، أو استحله، إلى غير ذلك من مقولات الجهل والتعالم، المخالفة لما عليه أهل العلم والسنة.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله مشيرا إلى هذا التلفيق بين كلام أهل السنة، وكلام غيرهم: (وهناك فرقةٌ خامسة ظهرت الآن، وهُم الذين يقُولون إن الأعمال شرطٌ في كمال الإيمان الواجب، أو الكمال المُستحب) (?).
وقال حفظه الله: (وهذا يدل على بطلان قول من يقول: إن من قال كلمة الكفر، أو عمل الكفر، لا يكفر حتى يعتقد بقلبه ما يقول ويفعل. ومن يقول: إن الجاهل يعذر مطلقا، ولو كان بإمكانه أن يسأل ويتعلم، وهي مقالة ظهرت ممن ينتسبون إلى العلم والحديث في هذا الزمان) (?).
وسئل حفظه الله: (هل تصح هذه المقولة: أن من قال الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص، فقد برئ من الإرجاء كله حتى لو قال: لا كفر إلا باعتقاد وجحود؟
فأجاب: هذا تناقض لأنه إذا قال: لا كفر إلا باعتقاد أو جحود، فهذا يناقض قوله: إن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح.
لأنه إذا كان الإيمان قولًا باللسان، واعتقادًا بالجنان، وعملا بالجوارح، وأنه يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، فمعناه أن من تخلى عن الأعمال نهائيًا فإنه لا يكون مؤمنًا؛ لأن الإيمان مجموع هذه الأشياء ولا يكفي بعضها. والكفر ليس مقصورًا على الجحود، وإنما الجحود نوع من أنواعه، فالكفر يكون بالقول، وبالفعل، وبالاعتقاد، وبالشك، كما ذكر العلماء ذلك. وانظر باب: أحكام المرتد من كتب الفقه) (?). الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين لمحمد بن محمود آل خضير - 1/ 303