قال الإمام المروزي: ثم قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس لوفد عبد القيس: ((آمركم بالإيمان، ثم قال أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله)) (?) فبدأ بأصله والشاهد بلا إله إلا الله هو المصدق المقر بقلبه يشهد بها لله بقلبه، ولسانه يبتدئ بشهادة قلبه والإقرار به ثم يثني بالشهادة بلسانه والإقرار به ليس كما شهد المنافقون إذ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون: 1] والله يشهد إنهم لكاذبون، فلم يكذب قلوبهم أنه حق في عينه، ولكن كذبهم من قولهم، فقال وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ [المنافقون: 1] أي كما قالوا، ثم قال: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون: 1] فكذبهم من قولهم، لا أنهم قالوا بألسنتهم باطلاً ولا كذباً، وكذلك حين أجاب النبي صلى الله عليه وسلم جبريل بقوله: ((الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله)) (?) لم يرد شهادة باللسان كشهادة المنافقين ولكن أراد شهادة بدؤها من القلب بالتصديق بالله بأنه واحد) (?).

قال القرطبي ردا على من زعم أن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان: بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح وهو باطل قطعاً (?) وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب تعليقاً على قوله صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دونه حرم ماله ودمه، وحسابه على الله)) (?) قال: (وهذا من أعظم ما يبين معنى (لا إله إلا الله) فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل ولا الإقرار بذلك بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها، ويا له من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع) (?) والمقصود من النقل السابق التأكيد على أن التلفظ بالشهادتين وحده لا يفي لصحة الإيمان والنجاة في الآخرة ما لم يقترن ذلك بخضوع وانقياد وتصديق وإخلاص على حسب ما جاء في النصوص الأخرى وأجمل عبارة مختصرة يمكن أن تقال بهذه المناسبة ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية (وتواترت النصوص بأنه يحرم على النار من قال: لا إله إلا الله ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال) (?) نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله بن علي الوهيبي – 1/ 38

ومن أصول أهل السنة والجماعة التي اتفقوا عليها في مسمى الإيمان على اختلاف عباراتهم في التعبير – إجمالاً وتفصيلاً – وذلك خوفاً من الاشتباه، أو الالتباس؛ أن الإيمان مركب من:

(قول، وعمل). أو (قول، وعمل، ونية). أو (قول، وعمل، ونية، واتباع السنة).

أي: أن مسمى الإيمان يطلق عند أهل السنة والجماعة على ثلاث خصال مجتمعة، لا يجزئ أحدهما عن الآخر، وهذه الأمور الثلاثة جامعة لدين الإسلام:

(اعتقاد القلب، إقرار اللسان، عمل الجوارح).

وبعبارة أخرى عندهم:

قول القلب، وقول اللسان.

عمل القلب، وعمل الجوارح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015