وكذا ما يروى عن عمر مرفوعاً: ((من كبر تكبيرة في سبيل الله, كانت صخرة في ميزانه أثقل من السموات السبع وما فيهن وما تحتهن, وأعطاه الله بها رضوانه الأكبر, وجمع بينه وبين محمد وإبراهيم والمرسلين في دار الجلال: ينظر إلى الله بكرة وعشياً)) (?).
وفي رواية أخرى عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كبر تكبيرة على ساحل البحر, كان في ميزانه صخرة, قيل: يا رسول الله, وما قدرها؟ قال: تملأ ما بين السموات والأرض)) (?).
ويقول السفاريني: (ظواهر الآثار وأقوال العلماء: أن كيفية الوزن في الآخرة – خفة وثقلاً – مثل كيفيته في الدنيا, ما ثقل نزل إلى أسفل ثم يرفع إلى عليين, وما خف طاش إلى أعلى ثم نزل إلى سجين, وبه صرح جموع, منهم القرطبي).
وقال بعض المتأخرين بل الصفة مختلفة, وأن عمل المؤمن إذا رجح صعد وسفلت سيئته, والكافر تسفل كفته لخلو الأخرى عن الحسنات, ثم تلا قوله تعالى: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10].
وذكر بعضهم في صفة الوزن: أن تجعل جميع أعمال العباد في الميزان في مرة واحدة, كل الحسنات في كفة النور, وهي يمين العرش جهة الجنة, والسيئات في كفة الظلمة, وهي عن يسار جهة النار, ويخلق الله لكل إنسان علماً ضرورياً يدرك به خفة أعماله وثقلها.
وقيل: بل علامة الرجحان عمود نور يقوم في كفة الحسنات حتى يكسو كفة السيئات, وعلامة الخفة عمود ظلمة يقوم من كفة السيئات حتى يكسو كفة الحسنات, لكل أحد (?).
والظاهر أن هذه الكيفيات كلها تحتاج إلى إثبات, فهي مسألة غيبية, والله تعالى له القدرة على ما يشاء.
2 – النافون لصفات الميزان:
وهؤلاء قالوا بعكس ما قاله الفريق الأول, حيث أحجموا عن وصف الميزان بالأوصاف التي تقدمت, واكتفوا بإثبات أن هناك ميزاناً فقط.
1 - يقول محمد رشيد رضا – في نفي تلك الصفات وفي رده على الزجاج: (وإذا لم يكن في الصحيحين ولا في كتب السنة المعتمدة حديث صحيح مرفوع في صفة الميزان, ولا في أن له كفتين ولساناً, فلا تغتر بقول الزجاج أن هذا مما أجمع عليه أهل السنة, فإن كثيراً من المصنفين يتساهلون بإطلاق كلمة الإجماع ولاسيما غير الحفاظ المتقنين, والزجاج ليس منهم, ويتساهلون في عزو كل ما يوجد في كتب أهل السنة إلى جماعتهم, وإن لم يعرف له أصل من السلف, ولا اتفق عليه الخلف منهم, وهذه المسألة مما اختلف فيه السلف والخلف كما علمت) (?).
وقال أيضاً: (والأصل الذي عليه سلف الأمة في الإيمان بعالم الغيب: أن كل ما ثبت من أخباره في الكتاب والسنة فهو حق لا ريب فيه, نؤمن به, ولا نحكم رأينا في صفته وكيفيته, فنؤمن إذا بأن في الأخرة وزناً للأعمال قطعاً, وونرجع أنه بميزان يليق بذلك العالم, ويوزن به الإيمان, والأخلاق, والأعمال, ولا نبحث عن صورته وكيفيته, ولا عن كفتيه – إن صح الحديث فيهما – كما صوره الشعراني في ميزانه) (?).