وروى أبو داود عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يخرجُ قومٌ من النار بشفاعة محمد فيدخلون الجنة ويُسمَّون الجهنميين)) (?) ورواه ابن ماجه. وله عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((خُيِّرتُ بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أُمَّتي الجنة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى، ترونها للمتَّقين، لا ولكنها للمذنبين الخطَّائين المتلوَّثين)) (?).
وله عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ((أتدرون ما خيَّرني ربِّي الليلة؟ قلنا: اللهُ ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم، قال: فإنَّه خيَّرني بين أن يُدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترتُ الشفاعة. قلنا: يا رسول الله ادع الله أنْ يجعلنا من أهلها. قال: هي لكلِّ مسلم)). (?) ورواه الترمذي بلفظ ((فاخترت الشفاعة، وهي لمن مات لا يُشْرِكُ باللهِ شيئاً)) (?) والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً مشهورة مستفيضة بل متواترة، وقد ذكرنا منها ما فيه كفاية، وتقدم في أحاديث الرؤية جملة منها عن جماعة من الصحابة، وبقي من النصوص في هذا الباب كثير، وبالله التوفيق. معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي- ص 1062
ومن الشفاعات الثابتة التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم شفاعته لمن سكن في المدينة المنورة ومات بها
وهذه الشفاعة فيها كذلك إكرام للمدينة المنورة ولمن سكن بها صابراً على لأوائها مفضلاً لها على غيرها، وقد شرفها الله بميزات عديدة ليس هنا موضع ذكرها ومن ذلك أن جعلها مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاصمة الإسلام الأولى، وأنه يأرز إليها الإيمان كما تأرز الحية إلى جحرها (?).
ثم ميزها الله تعالى عن سائر البقاع بثبوت شفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم لأهلها اعتناء خاصاً بهم ومزيد تشريف لها.
ومن الأدلة على ذلك ما جاء عن عامر بن سعيد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها, أو يقتل صيدها)) , وقال: ((المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون, لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه, ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعاً، أو شهيداً، يوم القيامة)) (?).
وعن أبي سعيد مولى المهدي أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة فاستشاره في الجلاء عن المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره ألَّا صبر له على جهد المدينة ولأوائها. فقال له: ويحك لا آمرك بذلك: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة إذا كان مسلماً)) (?).