وجماع القول: أن الإقرار بوجود الله والاعتراف به مستقر في قلوب الخلق جميعا وأنه من لوازم خلقهم، ضروري فيهم، وإن قدر أنه حصل بسبب.

ولقد حكى أهل العلم إجماع الأمم، واتفاق الملل، وتوافق الفطر على هذا الأمر الضروري، ومن هؤلاء الأئمة الأعلام، والصفوة الكرام: شيخ الإسلام ابن تيمية، في غير ما موضع من كتبه ورسائله.

نص ما حكاه شيخ الإسلام من الإجماع: قال: (أهل الفطر كلهم متفقون على الإقرار بالصانع) (?).

وبين أن هذا الأمر قد اجتمع على الإقرار به جميع الثقلين – الإنس والجن – حيث قال: (والمقصود هنا أن من المعروف عند السلف والخلف أن جميع الجن والإنس معترفون بالخالق مقرون به، ... فعلم أن أصل الإقرار بالصانع والاعتراف به مستقر في قلوب جميع الإنس والجن وأنه من لوازم خلقه، ضروري فيهم، وإن قدر أنه حصل بسبب كما أن اغتذاءهم الطعام والشراب هو من لوازم خلقهم، وذلك ضروري فيهم) (?).

وأوضح أن الإقرار بوجود الله وربوبيته لم يكن ينازع فيه المشركون الذين دعتهم رسلهم إلى عبادة الله وحده، حيث قال: (وأما الرب فهو معروف بالفطرة: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ [إبراهيم: 10] فالمشركون من عباد الأصنام وغيرهم من أهل الكتاب معترفون بالله مقرون به أنه ربهم وخالقهم ورازقهم، وأنه رب السموات والأرض والشمس والقمر، وأنه المقصود الأعظم) (?).

وذكر أن الإقرار بالخالق وكماله أمر فطري ضروري مركوز في فطر البشر السليمة من الانحراف والتغير، إذ يقول: (إن الإقرار بالخالق وكماله يكون فطرياً ضرورياً في حق من سلمت فطرته، وإن كان مع ذلك تقوم عليه الأدلة الكثيرة، وقد يحتاج إلى الأدلة عليه كثير من الناس عند تغير الفطرة، وأحوال تعرض لها) (?).

وعد الإقرار بالله مما اتفق عليه جميع المؤمنين، من الأولين والآخرين، بل وجميع الكتب الإلهية حيث يقول:. .. (ومنه ما هو متفق عليه بين جميع المؤمنين، من الأولين والآخرين، وجميع الكتب الإلهية: مثل الإقرار بالله) (?) ......

ولم يكثر السلف – رحمهم الله – الخوض في إثبات وجود الله تعالى وحشد الأدلة لتقريره؛ لأنه من القضايا المسلمة المستقرة في الفطرة البشرية؛ ولذا لم ينقل عنهم من الأقوال في تقرير وجود الله عز وجل إلا شيئاً يسيرا ورد في شأن الفطرة وأخذ الميثاق والإشهاد على ذلك والآيات الكونية والنفسية.

ومن ذلك قول محمد بن كعب القرظي – في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف: 172]-: (أقرت الأرواح قبل أن تخلق أجاسدها) (?).

وقال مجاهد بن جبر – في قوله تعالى: صِبْغَةَ اللهِ [البقرة: 138]-: "فطرة الله التي فطر الناس عليها" (?).

وأما الكلبي والحسن فقد قالا – في قول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى [الأعراف: 172]-: (أخذ ميثاقهم أنه ربهم، فأعطوه ذلك، ولا تسأل أحداً كافراً ولا غيره: من ربك؟، إلا قال: الله) (?).

وقال السدي: (ليس في الأرض أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف أن ربه الله) (?).

وقال ابن جرير – في تفسير قول الله تعالى: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى [الأعراف: 172]-: (يقول تعالى ذكره؛ شهدنا عليكم أيها المقرون بأن الله ربكم) (?).

وبين الراغب الأصفهاني أن معرفة الله عز وجل مركوزة النفوس، حيث قال: (معرفة الله تعالى العامية – أي الإجمالية – مركوزة في النفس، وهي معرفة كل أحد أنه مفعول، وأن له فاعلا فعله ونقله من الأحوال المختلفة) (?). المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع لمجموعة مؤلفين - بتصرف – ص: 237

طور بواسطة نورين ميديا © 2015