يقول الطبري: (لم يك ينفعهم تصديقهم في الدنيا بتوحيد الله عند معاينة عقابه قد نزل، وعذابه قد حل؛ لأنهم صدقوا حين لا ينفع التصديق مصدقا؛ إذ كان قد مضى حكم الله في السابق من علمه أن من تاب بعد نزول العذاب من الله على تكذيبه لم تنفعه توبته) (?).

ويشهد لهذا الشرط المهم من شروط قبول التوبة ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله عز وجل ليقبل توبة العبد ما لم يغرغر)) (?)، أي فإذا غرغر وبلغت الروح الحنجرة، وعاين الملك فلا توبة حينئذ (?).

وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ [آل عمران: 90]، قال بعض العلماء بأن المراد: إذا أخروا التوبة إلى حضور الموت فتابوا حينئذ، فلن تقبل توبتهم، فيكون مثل قوله تعالى في الآية السابقة: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء: 18]، وتقرر في الأصول حمل المطلق على المقيد، ولا سيما إذا اتحد الحكم والسبب كما هنا (?).

وروى الطبري ت310هـ بسنده عن الحسن البصري ت110هـ قوله في هذه الآية هم اليهود والنصارى لن تقبل توبتهم عند الموت (?).

وقال ابن تيمية: (قال الأكثرون ... لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت ... ، قلت: وذلك لأن التائب راجع عن الكفر، ومن لم يتب فإنه مستمر يزداد كفراً بعد كفر، فقوله ثم ازدادوا بمنْزلة قول القائل: ثم أصروا على الكفر، واستمروا على الكفر، وداموا على الكفر، فهم كفروا بعد إسلامهم، ثم زاد كفرهم ما نقص، فهؤلاء لا تقبل توبتهم، وهي التوبة عند حضور الموت؛ لأن من تاب قبل حضور الموت فقد تاب من قريب، ورجع عن كفره، فلم يزدد بل نقص، بخلاف المصر إلى حين المعاينة، فما بقي له زمان يقع لنقص كفره فضلاً عن هدمه) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015