وقال ابن تيمية ت728هـ: (وأما وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا فهي الملائكة القابضة للأرواح، وهذا يتضمن الجزاء، وهو من أعظم المقسم عليه) (?).
وقال البغوي ت516هـ: ( ... وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا: يعني الملائكة تنْزع أرواح الكفار من أجسادهم، كما يغرق النازع في القوس، فيبلغ بها غاية المدّ، وقال ابن مسعود: ينْزعها ملك الموت من تحت كل شعرة ومن الأظافر وأصول القدمين، ويرددها في جسده بعدما ينْزعها حتى إذا كادت تخرج ردها في جسده بعدما ينْزعها، فهذا عمله بالكفار ... ، وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا هي الملائكة تنشط نفس المؤمن، أي تحل حلاً رفيقاً فتقبضها، كما ينشط العقال من يد البعير، أي يحل برفق) (?)، وروي في تفسيرها غير ذلك (?).
7 - قوله تعالى كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (?).
دلت هذه الآية على سكرة الموت؛ فقوله كَلا إِذَا بَلَغَتِ أي النفس التَّرَاقِيَ فحشرج بها عند سكرات الموت، والتراقي جمع الترقوة، وهي العظام بين ثغرة النحر والعاتق، فدل ذلك على الإشراف على الموت، وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ أي: قال من حضره هل من طبيب يرقيه ويداويه، فيشفيه برقيته أو دوائه، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ أي أيقن الذي بلغت روحه التراقي أنه مفارق الدنيا، حيث تتابعت عليه الشدائد، فلا يخرج من كرب إلا جاءه أشد منه، واجتمع فيه الحياة والموت، والتفت ساقاه (?).
يقول السعدي في تفسير هذه الآيات: (يعظ تعالى عباده بذكر المحتضر حال السياق، وأنه إذا بلغت روحه التراقي، وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر، فحينئذ يشتد الكرب، ويطلب كل وسيلة وسبب يظن أن يحصل به الشفاء والراحة؛ ولهذا قال: وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ أي: من يرقيه، من الرقية؛ لأنهم انقطعت آمالهم من الأسباب العادية، فتعلقوا بالأسباب الإلهية، ولكن القضاء والقدر إذا حتم وجاء فلا مرد له، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ للدنيا، وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، أي: اجتمعت الشدائد، والتفت، وعظم الأمر، وصعب الكرب، وأريد أن تخرج الروح من البدن، الذي ألفته، ولم تزل معه، فتساق إلى الله تعالى؛ ليجازيها بأعمالها ويقررها بفعلها، فهذا الزجر الذي ذكره الله يسوق القلوب إلى ما فيه نجاتها، ويزجرها عما فيه هلاكها، ولكن المعاند الذي لا تنفع فيه الآيات لا يزال مستمراً على غيه وكفره وعناده) (?)
ثانيا: الأدلة على سكرات الموت من السنة والأثر:
ثبتت أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم تدل على أن للموت سكرات، ومن ذلك:
1 - ما أخرجه البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها: ((أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بين يديه رَكْوَة، أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بها وجهه ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات، ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى، حتى قبض ومالت يده)) (?).