النبوة منحة إلهية، لا تنال بمجرد التشهي والرغبة، ولا تنال بالمجاهدة والمعاناة، وقد كذّب الفلاسفة الذين زعموا أن النبوة تنال بمجرد الكسب بالجدّ والاجتهاد، وتكلّف أنواع العبادات، واقتحام أشقّ الطاعات، والدأب في تهذيب النفوس، وتنقية الخواطر، وتطهير الأخلاق، ورياضة النفس والبدن (?).
وقد بيّن الله في أكثر من آية أنّ النبوة نعمة ربانية إلهية، قال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا [مريم: 58]، وحكى الله قول يعقوب لابنه يوسف: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبّكَ [يوسف: 6]، وقال الله لموسى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف: 144].
وقد طمع أمية بن أبي الصَّلت في أن يكون نبي هذه الأمة، وقال الكثير من الشعر متوجهاً به إلى الله، وداعياً إليه، ولكنه لم يحصل على مراده، وصدق الله إذ يقول: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام: 124].
وعندما اقترح المشركون أن يختار الله لأمر النبوة والرسالة أحد الرجلين العظيمين في مكة والطائف عروة بن مسعود الثقفي أو الوليد بن المغيرة، أنكر الله ذلك القول، وبين أنّ هذا مستنكر، فهو الإله العظيم الذي قسم بينهم أرزاقهم في الدنيا، أفيجوز لهم أن يتدخلوا في تحديد المستحقِّ لرحمة النبوة والرسالة؟ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَىَ رَجُلٍ مّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا .. [الزخرف: 31 - 32]. الرسل والرسالات لعمر الأشقر - ص 59