إن القرآن الكريم، وهو ما بين الدفتين، مما في أيدي الناس اليوم، هو الذي أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو على ما كان عليه؛ لا زيادة فيه ولا نقصاً، وقد ورد إلينا متواتراً، بنقل الكافة – التي لا تقع تحت حصر ولا عد – عن مثلها حفظاً وكتابة، ولم يختلف في عصر من العصور عما في غيره، بل هو كتاب واحد، بلفظ واحد، يجتمع أهل الأرض جميعاً على قراءته دون اختلاف بينهم: لا في سورة، أو آية، أو كلمة، أو حركة.
وقد ضمن الله تعالى لكتابه السلامة من التحريف، كما في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] وهذا يقتضي حفظ عينه وهيئته التي نزل عليها، وقال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ [الأنعام: 115] قال البيضاوي رحمه الله في تفسيرها: (لا أحد يبدل شيئاً منها بما هو أصدق وأعدل، أولا أحد يقدر أن يحرفها شائعاً ذائعاً كما فعل بالتوراة ... فيكون ضماناً لها من الله سبحانه وتعالى بالحفظ) (?).
ومن وسائل هذا الحفظ: النقل المتواتر، نقل الكافة المتكاثرة عن مثلها إلى غيرها، حفظاً وكتابة، جيلاً بعد جيل. قال الباقلاني رحمه الله: ( ... ثم تناقله خلف عن سلف، هم مثلهم في كثرتهم، وتوافر دواعيهم على نقله، حتى انتهى إلينا على ما وصفنا من حاله) (?).
لكن الرافضة الشيعة، أثاروا بعض الشبهات حول تواتر القرآن وسلامته من التحريف، أذكر أشدها، مع الجواب على كل شبهة:
الشبهة الأولى: زعموا أن التواتر لم يتوفر للقرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بدليل حديث قتادة عند البخاري، قال (سألت أنس بن مالك رضي الله عنه: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد) (?). وفي رواية عن أنس قال: (مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة) (?) وذكر ثلاثة من المتقدمين، وأبدل أبي بن كعب بأبي الدرداء.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
الأول: أن هذه الأحاديث ليس فيها ما هو مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد وقع في تعيين الصحابة، وتعدادهم اضطراب، حتى أن بعضهم أوصلهم إلى ستة (?)، فيصير العدد لا مفهوم له (?).
الثاني: أن يكون المراد بالأحاديث أنه لم يجمع القرآن من فيِّ رسول الله إلا هؤلاء الأربعة، أو أنه لم يجمعه على جميع الوجوه والأحرف التي نزل بها إلا أولئك، أو أنه لم يجمع ما نسخ منه وأزيل رسمه بعد تلاوته مع ما ثبت رسمه وبقي فرض حفظه وتلاوته، إلا تلك الجماعة (?).
الثالث: الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أكثر من ذلك بكثير، ويدل عليه حديث بئر معونة، حيث قتل سبعون من القراء، (?) وقتل مثلهم في صدر خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك في موقعة اليمامة (?).