ومن ذلك ما ابتدع هذه الأزمان من الأعياد الوطنية، والاحتفال بعيد الشجرة، والاحتفال بالأيام المبتدعة كيوم الغذاء، ويوم الطفل، ونحو ذلك.
ويدل على ما ذكرناه ما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد)) (?) وتلك الأيام أيام منى. وفي رواية ((هذا عيدنا)) (?) وفي رواية ((وإن عيدنا هذا اليوم)) (?).
ودلالته من وجهين:
أولاً: قوله: ((فإن لكل قوم عيداً, وهذا عيدنا)) فهذا يقتضي أن لكل قوم عيداً يخصهم كما قال تعالى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا. فأعياد اليهود والنصارى وسواهم أمر يخصهم دوننا فلا نشاركهم فيه, كما لا نشاركهم في دينهم.
ثانياً: قوله: ((هذا عيدنا)) فمقتضى هذا اللفظ أن عيدنا يخصنا وليس لنا عيد سواه وقوله: ((وإن عيدنا هذا اليوم)) أضاف العيد إلى ((نا))، وعرف اليوم، والتعريف باللام والإضافة يفيد الاستغراق، فيقتضي هذا أن جنس عيدنا منحصر في هذا اليوم.
ويدل عليه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (?). ولا شك أن هذه الأعياد والاجتماعات ليست من ديننا فهي مردودة أي: باطلة, فيحرم اعتيادها والاحتفاء بها. ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل بدعة ضلالة)) (?) وهذه الأعياد والاحتفالات من البدع فهي ضلالة، فيحرم اعتيادها والعناية بأمرها.
هذا، والأعياد إما مكانية, أو زمانية، أو اجتماعية.
فأما الأعياد المكانية من جهة حكم الشرع فثلاثة أنواع:
الأول: مالا خصوص له في الشريعة.
الثاني: ماله خصوص لا يقتضي قصده للعبادة فيه.
الثالث: ما تشرع العبادة فيه لكن لا يتخذ عيداً.
فمثال الأول: عموم الأمكنة مما لا خصوصية له، ولا شرعت فيه العبادة، فلا يجوز تخصيصه، ولا قصده بعبادة، كالصحارى، وسائر الأمكنة مثلاً ما لم يكن عيداً لليهود والنصارى.
ومثال الثاني: كقبر النبي صلى الله عليه وسلم وسائر القبور وكشهر رجب.
ومثال الثالث: كالصلاة في مسجد قباء فهي مشروعة، لكن لا يتخذ عيداً يقصد كل سنة، وكل شهر، ونحو ذلك. وهكذا ليلة النصف من شعبان، ثبوت فضلها لا يجوز اتخاذها عيداً يحتفل به كل سنة.
وأما الأعياد الزمانية فهي أيضاً من جهة حكم الشرع ثلاثة أنواع:
أحدها: يوم لم تعظمه الشريعة أصلاً كأول خميس من رجب، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب.
النوع الثاني: ما جرى فيه من الحوادث مالا يقتضي كونه موسماً كالثامن عشر من ذي الحجة المشهور بـ (غدير خم).
النوع الثالث: ما هو معظم في الشريعة كيوم عاشوراء، ويوم عرفة، ويومي العيدين، نحوها.
فالأول يحرم تخصيصه بشيء من العبادات أو الاحتفالات، وكذلك الحكم في النوع الثاني. وأما النوع الثالث فلا يتجاوز ما شرعه الله ورسوله فيه.
هذا، وقد يصحب هذه الأعياد المكانية والزمانية من الاجتماعات البدعية ما يجعلها أعظم بدعة، وأغلظ حكماً؛ كمن يقصد القبور يوم العيد، والاجتماع عليها، والاحتفال عندها، أو يقصد المسجد الأقصى من أجل التبرك به، أو الطواف بجبل عرفات، ونحو ذلك من البدع المنكرة التي لم يأت بها دليل من الكتاب ولا من السنة النبوية.
وأما الاجتماعات فهي من جهة حكم الشرع ثلاثة أنواع: