فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث، لاسيما وقد احتج من أرسله به وذلك يقتضي ثبوته عنده، ولو لم يكن روي من وجوه مسندة غير هذين. فكيف وقد تقدم مسندا؟
ووجه الدلالة: أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيدا. فقبر غيره أولى بالنهي كائناً من كان، ثم إنه قرن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا تتخذوا بيوتكم قبورا)) أي: لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم. وفي (الصحيحين) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورا)) (?).
وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان ينفر من البيت الذي يسمع سورة البقرة تقرأ فيه)) (?)، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أعقب النهي عن اتخاذه عيداً بقوله: ((صلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)) (?) وفي الحديث الآخر: ((فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم)) (?) يشير بذلك صلى الله عليه وسلم إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم منه فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيداً، والأحاديث عنه بأن صلاتنا وسلامنا تعرض عليه كثيرة.
مثل ما روى أبو داود من حديث أبي صخر حميد بن زياد، عن يزيد بن عبدالله بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)) (?) صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث على شرط مسلم.